الجمعة 28 نوفمبر 2025 10:57 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

هيثم جويدة يكتب: منتهى الحرية

الإعلامى الكبير هيثم جويدة
الإعلامى الكبير هيثم جويدة

انا حر افعل ما اشاء.. جملة يحب اللسان نطقها بينما ترفض الأذن سماعها حين تتحول الحرية من حق إنساني الى أداة تمارس بلا وعي هنا يبدأ السؤال الجوهري: لماذا نمنح لأنفسنا ما نرفضه على غيرنا؟ وما الحد الفاصل بين حرية تبني بها المجتمعات وحرية تهدم بها؟
لقد منح الخالق الانسان حرية مكفولة باطار اخلاقي وقوانين تجعلنا مخيرين مسؤولين ومع ذلك نجد من يتجاوز هذا الاطار ليعيش كأن الحرية حق مطلق بلا قيد ولا حساب فهل هذا عدل ام ظلم للنفس وللاخرين؟
تتعدد الاجابات لكن المؤكد ان حرية التعبير تظل من اكثر صور الحرية تأثيراً وامتداداً؛ فهي القادرة على بناء وعي كما يمكنها، اذا انفلتت، ان تشعل صراعات وازمات ومن هنا تأتي ضرورة فهم الحرية في سياقها الفكري والتاريخي.

في عصر التنوير الذي يشبه كثيرا عصرنا الحالي، خرج المفكرون ضد التعصب والافكار المسبقة، وكان (ايمانويل كانت) من ابرز من اعادوا تعريف الحرية باعتبارها استقلال الانسان عن كل شيء الا القانون الاخلاقي ورأى ان التنوير هو خروج الانسان من سباته العقلي باستخدام العقل لا التلقين وهذه الفلسفة لا تزال صالحة الى اليوم، فالمجتمع الذي يريد ان ينهض لا بد ان يضع الحرية في اطار المسؤولية وان يرى الحوار وسيلة لبناء وعي لا ساحة لاستعراض الاصوات المرتفعة او تضخيم الذات.
وعندما نمتلك حرية اتخاذ القرار، فان اول مسؤولياتنا هي التفكير العميق لندرس كل الاحتمالات، ونتوقع الخطر قبل وقوعه ونستعد لاستقبال الخير حين يجيء لكن الانسان غالباً ما ينشغل بالشر اكثر من انشغاله بالخير؛ يخطط للهروب من الازمات ويحارب من يظن انه سبب الضرر بينما يهمل التخطيط لما بعد النجاة ومع ذلك يبقى التفكير الفردي قاصراً اذا لم يتحول الى تفكير جماعي.
وهنا تظهر ازمة اخرى: فعندما يجتمع المسؤولون او اصحاب الرأي لحل ازمة عامة، يتسلل التعصب وتظهر الاحكام المسبقة وتعلو الاصوات على حساب الحكمة، فيتحول الضوء الذي وجد لاظهار الحقيقة الى بريق يشغل البعض عن جوهر المشكلة فيستخدمه البعض لابراز نفسه بدلاً من اصلاح الواقع ونحن اليوم في مرحلة دقيقة داخلياً وخارجياً تحتاج الى وعي جماعي ونقاش مسؤول بعيداً عن الانحياز والمصالح الضيقة.. نحتاج الى حرية تعرف معناها ومسؤولية تدرك ثقلها وارادة قادرة على حماية الحاضر الذي سيصبح مستقبلاً ينتظر ابناءنا واحفادنا ولا يمكن لمجتمع ان يتقدم اذا رأى الحرية حقاً بلا حدود او رأى المسؤولية قيداً بلا هدف فهما وجهان لعملة واحدة لا يكتمل احدهما دون الآخر.. الحرية تمنح الانسان القدرة والمسؤولية تمنحه الاتجاه الصحيح.

رسالتنا: هي ترسيخ وعي جديد يرى الحرية واجباً قبل ان تكون حقاً، والمسؤولية شرفاً قبل ان تكون عبئا ونؤمن ان الحوار هو الطريق وان العدالة هي الهدف وان الانسان الحر هو الذي يلتزم بقيمه قبل ان يطالب بحقوقه.. بهذه المعادلة وحدها تبنى الأوطان.

هيثم جويدة منتهى الحرية الجارديان المصرية