الجمعة 28 نوفمبر 2025 11:00 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

دكتور علاء الحمزاوى يكتب توقير الكبير وإكرامه:

دكتور علاء الحمزاوى
دكتور علاء الحمزاوى

ــ من القيم الإنسانية العظيمة قيـمة "الاحترام"، وهو التقدير العام لكرامة الناس وحسن الأدب في العلاقة بهم والتعامل معهم، والتوقير هو التعظيم والتفخيم والتبجيل والإجلال للآخرين، قال الله: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ}؛ فهو أعلى من الاحترام وأخصُّ منه، وهو سمة حضارية وعلامة على الرقي الإنساني؛ لذا أصدرت اليونسكو منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة التي تهدف إلى تحقيق الأمن والسلام والتعاون الدولي أصدرت بيانا بمجموعة قيم مشتركة بين الإنسانية يجب أن تتصف بها الشعوب منها قيمة الاحترام، وهنا تبرز عظمة الإسلام فقد كان سبَّاقا في ذلك؛ حيث أوْلَى قيمة الاحترام عناية كبيرة بدءا من الحفاظ على حياة الإنسان وكرامته، فجعل المساس به مساسا بالمجتمع، قال الله: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}، ورفع النبي من شأن قيمة الاحترام في المجتمع ولاسيما للكبار سِنًّا أو مقاما، فقال: «أنزلوا الناس منازلهم» أي أعطوا كل واحد حقه من الاحترام والتقدير، ولما دخل سعد بن معاذ على اليهود قال النبي لهم: «قوموا لسيدكم»، ولم يفرِّق الإسلام في ذلك بين المسلم وغيره، فلما دعا النبي ملك الروم إلى الإسلام كتب له: «من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم»، أعطاه مكانته العالية تقديرا له، ووقف النبي لجنازة يهودي احتراما لإنسانيته.
ــ ومن الاحترام ألا تؤذي مشاعر الآخرين؛ قال ربنا: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}، فجاء الإيذاء مطلقا، منه أن يقيم شخص شخصا ليجلس مكانه؛ فنهى النبي عنه قائلا: «لا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِن مَقْعَدِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فيه، ولَكِنْ تَفَسَّحُوا وتَوَسَّعُوا»، ومن الإيذاء أن يُشعر الإنسان غيره أنه أفضل منه، فقد روي أن السيدة صفية أم المؤمنين بكت ذات يوم، فقال لها النبي: «ما يبكيك؟ فقالت: حفصة تقول: إني بنت يهودي، فقال النبي: إنك لابنة نبي وإن عمَّك لنبي وإنك لتحت نبي، ففيمَ تفخر عليك؟! اتقي الله يا حفصة»، والمقصود بأبيها "هارون" وعمها "موسى"، حيث يصل نسبها إليهما، وتحت نبي أي زوجة النبي، فما أجمل الإسلام!
ــ واختص الإسلام الكبار بالتوقير والإكرام، فجعل الاستهانة بهم وعدم تعظيمهم سببا في الخروج من الدين، فجاء في الحديث «ليسَ منَّا من لم يوقِّر كبيرَنَا»، وجعل الإسلام من تعظيم الله توقير الكبير؛ فقال النبي: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ»، ومن توقيره عـدم الكلام في حضرته استحياء منه، يقول أحد الصحابة: «لقد كنتُ على عهد رسول الله غلاما فكنتُ أحفظ عنه، فما يمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالاً هم أسنُّ مني»، ولما سأل النبي الصحابة: «أخبروني عن شجرة مَثَلها مَثَل المسلم، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ولا تحُتُّ (تفرُك) ورقها، قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة، فكرهت أن أتكلم، وثَــمّ أبو بكر وعمر» أي استحييت أن أجيب النبي في وجود الكبار مثل أبي بكر وعمر.
ــ ومن مظاهر التوقير للكبير تقديمه في الأمور العامة كصلاة الجماعة إذا تساووا في الحفظ والعلم، ففي الحديث «ارجِعوا إلى أهليكم فعلِّموهم ومُروهم، وصلُّوا كما رأيتُموني أصلِّي، فإذا حضرتِ الصلاةُ فلْيُؤذِّنْ لكم أحدُكم، ولْيؤمَّكم أكبرُكم»، ومن توقيره أن تبدأ بالسلام عليه، يقول النبي: «يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ علَى الكَبِيرِ، والمارُّ علَى القاعِدِ، والقَلِيلُ علَى الكَثِيرِ»، ومن توقيره أن تذهب إليه ولا تنتظر أن يأتي هو إليك، فعن السيدة عائشة «جاءت عجوزٌ إلى النبيِّ وهو عندي، فقال لها رسولُ اللهِ: من أنتِ؟ قالت: أنا جَثَّامةُ المزنيَّةُ فقال: بل أنتِ حَسَّانةُ المزنيَّةُ، كيف أنتُم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتُم بعدنا؟ قالت: بخيرٍ بأبي أنت وأمِّي يا رسولَ اللهِ، فلما خرجتْ قلتُ: يا رسولَ اللهِ تُقبِلْ على هذه العجوزِ هذا الإقبالَ! فقال: إنها كانت تأتينا زمنَ خديجةَ، وإنَّ حُسْنَ العهدِ من الإيمانِ» أي حفظ الوُد القديم ورعاية العِشرة السابقة وعدم نسيان الفضل من الإيمان، و«جاء أبو بكرٍ بأبي قُحافةَ إلى رسولِ اللهِ يومَ فتحِ مكَّةَ، فقال رسولُ اللهِ لأبي بكرٍ: لو أقرَرْتَ الشَّيخَ في بيتِه لَأتَيْناه تكرِمةً لأبي بكرٍ، فأسلَم ورأسُه ولحيتُه كالثَّغامةِ بيضاءَ، فقال رسولُ اللهِ: غيِّروهما وجنِّبوه السَّوادَ»، الثَّغامة شجرةٌ بيضاءُ الثَّمَرِ والزهرِ تنْبُتُ في قمة الجبل، وإذا يَبِسَتِ اشتدَّ بَيَاضُها، يُشَبَّهُ بها الشَّيبُ مبالغة في كثرة اشتعاله، وكان النبي حريصا على المظهر الجمالي للمسلم فوجَّه الشيب الشديد إلى لون آخر باجتناب اللَّون الأسود، وحكم الصبغ به الكراهة، ويصل إلى التحريم إذا قُصِد منه التدليس والخداع.
ــ من توقير الكبير قضاء حاجته برغبة وحب، وساق لنا القرآن نموذجا لذلك قصة موسى مع ابنتي شعيب الكبير الضعيف، قال الله: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}.

دكتور علاء الحمزاوى توقير الكبير وإكرامه: الجارديان المصرية