الجمعة 28 نوفمبر 2025 10:58 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

ميلاد يونان يكتب : التعليم الخاص في مصر... بين ”البريستيج” والواقع ‏

الكاتب الكبير ميلاد يونان
الكاتب الكبير ميلاد يونان

لم تعد أزمة التعليم الخاص في مصر مجرد أخبار عابرة أو شكاوى متفرقة ‏من أولياء الأمور، بل أصبحت كاشفة لخلل عميق في منظومة يُفترض أن ‏تحتضن الأطفال وتفتح لهم باب العلم لا باب الجباية. ‏
مدارس تتزين بواجهات لامعة، وتغرق الأهالي في شعارات براقة مثل ‏‏"الاعتماد الدولي" و"التعليم العالمي" و"المدرسة الذكية"، بينما تبقى ‏الحقيقة محجوبة خلف أبواب مغلقة بلا رقابة او محاسبة، ويُترك الطالب ‏يواجه مصيره بعيدًا عن أي معايير حقيقية للجودة أو الأمان‎.‎
المفارقة المؤلمة أن ما يُباع أولًا في كثير من هذه المدارس ليس ‏‏«المعرفة»، بل "البريستيج" و الوهـم: وهم الجودة، ووهم الانضباط، ووهم ‏الأمان. يدفع الأب والأم دم قلبهما على أمل تعليم أفضل، ليكتشفا أن ما دُفع ‏لم يكن ثمن مستقبل طفل يحتاج من يفهمه ويحمي حقه، بل ثمن مقعد في ‏مبنى مكيف لا أكثر‎.‎
تزداد الصورة قتامة عندما ترتفع الأقساط بلا تفسير، وتُفرض الزيادات ‏كأمر واقع، ويختفي «السيستم» فجأة عندما يطلب وليّ الأمر إيصال أو ‏جدول حصص أو معلومة واضحة!!. ‏
وفي الوقت الذي تُخصص فيه ميزانيات ضخمة لتجميل الفصول وتجديد ‏الواجهات، يُعامل المعلم كعامل موسمي لا صوت له، بلا تدريب حقيقي أو ‏بيئة عمل تحترم جهده ودوره الأساسي في العملية التعليمية‎.‎
المشكلة الأكبر ليست في المصروفات، بل في غياب الرقابة. فمن يراجع ‏المناهج المستوردة بلا روح؟ ومن يتفقد عقود العاملين؟ ومن يضمن أن ‏المشرفات مؤهلات للتعامل مع طفل قد يبكي خوفًا أو ألمًا؟ وكيف تتحول ‏مدرسة يفترض أنها خاصة إلى مساحة مفتوحة للفوضى بمجرد غياب ‏الإدارة؟
الخبراء يشددون على أن التعليم الجيد لا يبدأ من اللوحات الذكية أو الأبنية ‏الحديثة، بل من معلم مطمئن، ومدير واعٍ، وفصول تراعي إنسانية الطفل ‏قبل درجاته. ‏
ومع ذلك، بعض المدارس الخاصة تقدم خدمة لا صلة لها بجوهر التعليم، ‏وكأن الهدف الأول والأخير هو دفتر التحصيل لا مستقبل الطالب‎.‎
الصورة الأوسع تؤكد أن التعليم الخاص لم يعد حلًا بديلًا، بل تحول إلى ‏سوق مكتملة الأركان بلا قانون يحمي المستهلك الأول: الطفل.‏
لا مستقبل لبلد تُترك فيه أهم سنوات عمر أبنائه لرحمة من يملك لا من ‏يُتقن، والإجراءات الحكومية الأخيرة بزيادة الرقابة خطوة مهمة لكنها ‏وحدها لا تكفي للإصلاح الحقيقي‎.‎
‏ والإصلاح الحقيقي يبدأ عندما تدرك المدارس أن الأمان ليس خدمة ‏إضافية، والمعلم ليس بندًا قابلًا للاستبدال، والطفل ليس رقمًا في كشف ‏المصروفات، بل إنسان يبدأ منه كل شيء وينتهي عنده كل معنى للتعليم‎.‎
التعليم الحقيقي لا يُباع ولا يُشترى… والمدرسة التي تفشل في صناعة ‏إنسان، مهما كانت أسعارها ومظاهرها، فهي ليست مدرسة، بل مجرد ‏واجهة خاوية‎.‎


‏# ميلاد يونان ـ ناشط حقوقي ـ ‏

ميلاد يونان لاتعليم الخاص في مصر... بين ”البريستيج” والواقع ‏ الجارديان المصرية