الأربعاء 24 ديسمبر 2025 02:44 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الدكتور القس جرجس عوض يكتب : ردًّا على الإعلامية هند الضاوي

الدكتور القس جرجس عوض
الدكتور القس جرجس عوض

أيامٍ قليلة تفصلنا عن نهاية العام، وبينما نستعد جميعا لنحتفل معًا بأعياد الميلاد المجيدة، تطلّ علينا الإعلامية هند الضاوي بخبرٍ يحمل في طيّاته نبرةً طائفية غير مسؤولة، لا سيما ونحن نمرّ بمرحلةٍ دقيقة من التوترات الإقليمية التي كادت أن تعصف بالشرق الأوسط بأسره، لولا أن مَنَّ الله على مصر بقيادةٍ حكيمة استطاعت امتصاص الغضب، وعقد مؤتمرًا تاريخيًا في شرم الشيخ لإخماد نيرانٍ كادت أن تأكل الأخضر واليابس.

غير أنّ بثّ مثل هذا الخبر في هذا التوقيت يثير علامات استفهام عديدة:

هل بعدما فشلت إسرائيل في جرّ مصر والمنطقة إلى حربٍ ضروس، تحاول الآن النيل من وحدة الوطن عبر زرع الفتنة الطائفية؟

فالخبر المتداول – لمن لا يعلم – هو الادعاء بـ «تدريب إسرائيل مائة ألف مسيحي ليكونوا سفراء لها».

والحق أقول: لا أعلم هل تدرك المذيعة خطورة ما تقول.

ألا تعلمين، يا سيدتي، أنّ الكلمة في وسائل الإعلام قد تكون أخطر من أسلحة الدمار؟ وأن الإعلام إما أن يكون سورًا يحمي الوطن، أو لغمًا يهدم وحدته من الداخل؟

هل خانكِ التعبير فنقلتِ خبرًا بلا تحليل أو تفكيك؟

ألم تنتبهي إلى أن هذا الخبر المشؤوم يحمل دلالات خطيرة على السلم الاجتماعي؟

وهل هذه هي «العيدية» التي تُقدَّم للوطن في مثل هذه الأيام؟

ومن جسامة خطورة هذا الطرح، اضطرت الطائفة الإنجيلية إلى إصدار بيانٍ واضحٍ وصريح، أكدت فيه أن الخدمة الإنجيلية في مصر خدمة وطنية خالصة، تمتد جذورها لما يقرب من قرنين من الزمان، من خلال مؤسسات تعليمية وطبية واجتماعية، لم تكن يومًا أداةً سياسية، ولا جسرًا لمشروعٍ أجنبي.

كما شدّد البيان على الرفض القاطع لما يُسمّى بالمسيحية الصهيونية، وهو موقف معلن وثابت لا يقبل التأويل أو المزايدة.

الأستاذة هند، مع كامل احترامي لشخصك،

إن أخطر ما في هذا التصريح المتداول ليس كونه خبرًا – حتى وإن نُسب إلى مصادر إسرائيلية – بل طريقة تمريره دون استنكار، أو مساءلة، أو تحليل مهني، بما يعطي للمشاهد انطباعًا يفتح الباب أمام فتنةٍ طائفية خطيرة.

فالإعلامي المهني لا يكتفي بنقل ما يُقال، بل يضعه في سياقه، ويفكك أهدافه، ويستنكر كل ما يمس الشعب المصري الأصيل، خاصة إذا تعلّق الأمر بشريحة من أبناء الوطن على أساس ديني.

إن الإيحاء – ولو بالصمت – بأن مسيحيي مصر مشروع «وكلاء» أو «سفراء» لدولة أجنبية لا يحمل إلا معنىً واحدًا، وهو اتهام مبطَّن بالتجسس لصالح إسرائيل، وهو أمر لا يخدم إلا الفتن، ولا يصبّ بأي حال في مصلحة الوطن.

نحن مصريون، مسلمين وأقباطًا، شعبٌ واحد، ووطنٌ واحد، وجسدٌ واحد.

شاركنا معًا في الحروب، وعلى رأسها حرب أكتوبر المجيدة، وارتقى من بيننا آلاف الشهداء. سال الدم المصري دون تمييز، ولم تفرّق رصاصات العدو بين مسلمٍ ومسيحي.

وكذلك قدّمنا شهداء في مواجهة الإرهاب والإسلام السياسي الذي خان الوطن.

عليكِ أن تعي أنّ الإعلام رسالة مهنية تنويرية، لا أداة تحريضية.

وإن بثّ أخبار من هذا النوع دون تعليقٍ نقدي، أو تفكيكٍ مهني، أو إدانة واضحة لأهدافها، يفتح الباب أمام:

1. تأجيج الشكوك بين أبناء الوطن الواحد

2. تقويض الثقة المتبادلة بين مكوّنات المجتمع

3. الإضرار المباشر بالسلم الاجتماعي

وهو ما يضع مثل هذا الأداء الإعلامي تحت طائلة المساءلة المهنية والقانونية، وفقًا لقانون تنظيم الإعلام ومواثيق الشرف الصحفي.

مصر لم تُبنَ على دينٍ واحد، ولم تحمَ بلونٍ واحد من الإيمان،

بل حماها وطنٌ يسكن القلوب قبل أن تسكنه الأجساد.

وأي خطابٍ يلمّح إلى خيانةٍ جماعية على أساسٍ ديني، إنما يخدم أعداء الوطن أكثر مما يخدم الحقيقة.

فالوطنية ليست كلماتٍ جوفاء، ولا صراخًا على الشاشات، ولا إثارةً رخيصة،

بل هي مسؤولية كلمة، وعدالة موقف، وحماية نسيج.

وستظل مصر مصونةً محفوظة، بالحماية الإلهية، وقيادتها السياسية ووحدة شعبها.

الدكتور القس جرجس عوض :ردًّا على الإعلامية هند الضاوي الجارديان المصرية