د. محمد فتحي عبد العال يكتب : لعنة الفراعنة
الجارديان المصريةياله من مصطلح يلقي الخوف والرعب في النفوس لقد ظل لسنوات عدة مثار جدل كبير بين مؤيد لوجود الظاهرة وبين مستبعدا لها ومعتبرا اياها ضربا من ضروب الوهم والافتعال.
فإلى أي مدى صحة لعنة الفراعنة؟ وهل من تفسيرات علمية لها في ضوء معطيات العلم الحديث؟
البداية :
كانت البداية مع افتتاح مقبرة توت عنخ آمون عام ١٩٢٢ على يد المكتشف والرسام البريطاني هوارد كارتر وبتمويل من اللورد كارنارفون والذي حصل منه كارتر على تمويل للتنقيب للعام الخامس والأخير بعد عناء شديد ولم يكن الكشف عن باب المقبرة بالأمر الهين دون مساعدة الأهالي حيث أرشد الشاب (حسين عبد الرسول) كارتر إلى موقع المقبرة وكان حسين يعمل في توصيل المياه إلى أماكن الحفر في أوان فخارية
عدد ممن حضروا هذا الحدث لقوا حتفهم بشكل غامض مما حير العلماء وجعلهم يفترضون لعنة الفراعنة. اللعنة:
تعتبر اللعنات المتعلقة بالمقابر نادرة بعض الشئ ذلك أن فكرة التدنيس والعبث بهذة المقابر ظلت مستبعدة فالفرعون أله لا يجوز الأقتراب منه لا في حياته ولا بعد مماته... لكن في حالة مقبرة توت عنخ آمون كان الاستثناء حاضرا في كل شئ فبجانب الكنوز الضخمة التي صاحبت جثمان الملك الصغير كان بالمقبرة تحذيران الأول كان على أحد الأبواب :سوف يطوي الموت بجناحيه كل من يقلق الملك أما التحذير الثاني فكان على ظهر أحد التماثيل ونصه: أنا الذي اطرد لصوص المقبرة والقى بهم في جهنم هذه الصحراء ومما يروى ان هوارد كارتر مكتشف المقبرة لمح أحد التحذيرين لكنه لم يعبأ بتهديدات إناسا قد رحلوا ولم يعدوا يملكون من أمرهم شيئا علاوة على ما احتوته المقبرة من كنوز تفوق الخيال كانت كفيلة بغض النظر عن مثل هذه التحذيرات والمضي قدما في فتح المقبرة.
اللعنات تطارد الجميع :
استحرى الموت في الجميع بداية من أحد الصقور الذي شوهد محمومًا وهو يخفق بجناحيه قرب المقبرة وهي أشارة لا تخلو من معنى فالصقر هو روح حورس التي تحمي الملك بحسب المعتقدات الفرعونية ثم عصفور كارتر الذهبي الذي كان واقفا على أحد كتفيه أثناء الاكتشاف وسميت المقبرة بأسمه (مقبرة العصفور الذهبي) بحسب محسن محمد في كتابه سرقة ملك مصر والذي لدغه ثعبان الكوبرا في قفصه بعد ذلك و ثعبان الكوبرا هو الموجود على تاج الملوك الفراعنه وبالتالي فهو مبعوث الملك للانتقام ممن أزعجوه من مرقده.! .. كما أصابت اللورد كارنارفون الممول لهذا الكشف حمى مفاجئة مات على أثرها وصرخاته تملأ الآفاق من أنه يرى أشخاصا يدحرجوه على رمال الصحراء ويعصرون النار في فمه وفي لحظة وفاة كارنارفون انقطعت الكهرباء عن فندقه وعن القاهرة مما زاد من الأمر غرابة.كما أصيب اثنين من الاخوة غير الأشقاء لكارنافون أحدهما أصابه العمى وهو العضو البرلماني أوبري هربرت والثاني وهو ميرفين أصابته ملاريا الالتهاب الرئوي .. الحال نفسه حدث مع وارتر مبعوث المتحف الأمريكي والذي عاون كارتر في الحفر حيث ارتفعت درجة حرارته بشدة وكذلك طبيب الأشعة( ارشيبالد دوجلاس ريد) الذي فك خيوط التابوت ليصور جثة الملك مات بعدها بأيام متأثرا بالحمى وكذلك عالم الآثار إيفيلين هوايت والذي شنق نفسه تاركا رسالة بعد موته( لقد استسلمت. حلت لعنة الفراعنة) ومات أيضا جورج باتريت خبير الآثار بمتحف اللوفر بضربة شمس فور مغادرته المقبرة وسردار الجيش المصري وحاكم السودان السير لي ستاك والذي اغتيل عام ١٩٢٤... ومن الزوار الذين ماتوا بشكل غريب بعد زيارتهم للمقبرة كان المليونير الأمريكي جاي جولد والذي اطل برأسه لرؤية المقبرة ثم مات بمحل إقامته بفندق بالقاهرة وكذلك المليونير الأمريكي جيل ول والذي توفي بالباخرة
أكثر من أصابتهم اللعنة :
كان من الحاضرين الثري على كامل بك فهمي والذي تزوج في نفس عام الكشف من مغنية فرنسية تدعي مارجريت ميلر والتي كانت تكبره بعشر سنوات ويبدو أن لعنة الفراعنة كانت السبب في الخلافات بين الزوجين والتي أدت في النهاية إلى مقتل فهمي بك برصاص زوجته والطريف أنها حصلت على البراءة من قتل زوجها بفضل الدعاية التي أحدثها محاميها السير مارشال هول والذي حول القضية إلى محاكمة للحضارة الشرقية وعاداتها المتخلفة وان مارجريت ضحية لها فحصلت مارجريت على البراءة وعلى ميراث زوجها الراحل!!..وهناك ريتشارد بيثل سكرتير كارتر والذي وجد مخنوقا في سريره...
أين كارتر؟
بعد اكتشاف المقبرة والنهب الذي طال بعض كنوزها عمل كارتر كوكيل لبعض المتاحف.. الغريب أنه لم يطاله شئ من هذه اللعنة فقد مات بعد الاكتشاف بستة عشر عاما متأثرا بسرطان الغدد الليمفاوية وكذلك حسين عبد الرسول الذي أرشد لمكان المقبرة والذي مات بعمر الثمانين كما أن وفاة( آرثر كراتندن ميس) وهو احد مساعدي كارتر بالزرنيخ هي سبب قادح للعنة الفراعنة لكونه سبب طبيعي لاستنشاق الزرنيخ من الألوان والزجاج بالمقابر هذه الامور جعلت البعض يشكك في اللعنة المزعومة.
هل الأمر غامض أم محض اختلاق ؟
منح اللورد كارنارفون حصر النشر إلى صحيفة لندن تايمز وبالتالي كانت الصحيفة الإنجليزية مصدرا وحيدا لبث الأحداث لباقي الصحف وهو ما أطلق العنان للصحف الأخرى للتخمينات والقصص الخيالية فضلا عن أن وجود الصحفي البريطاني آرثر كونان دويل في أثناء الاكتشاف وهو صاحب الشخصية الشهيرة شرلوك هولمز والمعروف بميوله للأحداث الغامضة والخط البوليسي ربما لعب دورا في تضخيم هذه الأحداث منذ البداية وتصويرها على نحو اسطوري عنوانه لعنة أجدادنا القدامى. وبينما رأي الأطباء أن وفاة كارنارفون كانت نتيجة أنه جرح وجهه ففتح جرح قديم أثناء الحلاقة فإن دويل قدم تفسيرا غريبا لموت كارنارفون وأنه حدث نتيجة وجود عناصر وضعها كهنة الملك لحماية قبره ...كما نشرت الروائية الأمريكية الشهيرة ماري كوريلي مقالا تحذر فيه من عاقبة ازعاج الفراعنة في قبورهم!.. تفسيرات للماضي :
ظلت مسألة لعنة الفراعنة تلقى قبولا واسعا لفترات طويلة وراح الباحثون يفسرون كل ما حدث للعلماء الاثريين من حوادث في إطار هذه الظاهرة وبحسب كتاب لعنة الفراعنة لانيس منصور فالعالم الانجليزي ايمري أصابه الشلل ثم مات وهو يمسك تمثال اوزوريس بيده كذلك العالم الإيطالي بلتسوني مكتشف مقبرة الملك سيتي الأول إصابته الحمى والهذيان منتهيا بالشلل النصفي والوفاة أما العالم الاثري هينريش بروجش فقد خرج إلى الشارع عاريا وعلى رأسه تاج الملك مينا مصنوع من الورق.... لم يسلم أيضا الطبيب الألماني بلهارس مكتشف دودة البلهارسيا في جثث الفراعنة من لعنة الفراعنة بحسب الكتاب والحال كذلك لشامبليون الذي حل لغز الكتابة المصرية القديمة عبر دراسته لحجر رشيد فقد اصيب بالشلل والهذيان والاغماء الطويل ليموت بعد ذلك ومن أشهر من ماتوا بلعنة الفراعنة من المصريين كان الدكتور جمال محرز مدير المتحف المصري والذي أنكر وجود لعنة للفراعنة في معرض توت عنخ آمون بلندن عام ١٩٧٢ وبعد تصريحه بشهر مات بهبوط في القلب.
الابواق ولعنة الحرب :وجد كارتر في المقبرة اثنين من الأبواق المذهبة والمزينة بأزهار اللوتس والآلهة المصرية. وربط البعض بين نجاح العزف على البوقين واندلاع الحرب العالمية الثانية عام ١٩٣٩ بعدها بوقت قصير وبين نكسة ٦٧ وتشغيل البوقين للمرة الثانية!
السفينة واللعنة:حتى السفينة تيتانيك والتي غرقت لاصطدامها بجبل جليدي عام ١٩١٢ ذهب البعض إلى مسئولية مومياء فرعونية مهربة على متنها عن غرق السفينة.... وكأن كل حواديث التاريخ يمكن تفسيرها عبر هذه اللعنة المزعومة.
كيف نقرأ هذه الأحداث في ضوء العلم؟
في عام ١٩٤٩ قدم عالم الذرة لويس بولغريني نظرية أن أرضية القبر كانت مغطاة باليورانيوم.... لكن النظرية التي تبدو منطقية تماما هي الفطريات السامة والبكتيريا الموجودة بمقابر الفراعنة وعلى جلود المومياوات المحنطة منذ الاف السنين ويعود الفضل في الإشارة لهذا إلى الدكتور (عز الدين طه) عالم الأحياء المصري لكن المثير أن عز الدين لقى حتفه في حادث سيارة بعد تصريحه هذا بأسابيع وقد أيدت تحاليل عينات الهواء بالمقابر صحة فرضية عز من تواجد مستويات عالية من الفورمالديهايد والامونيا وكبريتيد الهيدروجين مما يبرهن أن لعنة الفراعنة ليست سوى ضربا من ضروب الخيال والإثارة والتشويق وتبقي الأسباب البيولوجية هي الوحيدة التي تفسر موت علماء الآثار ببعض الامراض أما الحوادث التي لحقت ببعضهم فلا تعدوا كونها حوادث من تدبير الاقدار وليس من صنيع اللعنات وغيرها....
كنا في رحلة مثيرة لم تطوى فصولها بعد بين خيالات الماضي وسحر أساطيرها والعلم الحديث وأدواته .
#(كتاب تأملات بين العلم والدين والحضارة الجزء الثاني)