الجمعة 26 أبريل 2024 10:49 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الإعلامى جمعة قابيل يكتب : المشوهة

الإعلامى جمعة قابيل
الإعلامى جمعة قابيل

نورا .. ابنة احد اهم الاثرياء .. سيدة رقيقة المشاعر جميلة الملامح هامسة الحديث رومانسية النظرات جذابة الشخصية انيقة المظهر .. حيث تحرص على اقتناء الغالى والنفيس من ارقى الملابس واروع المجوهرات ... هكذا هى نورا فى ظاهرها امام الجميع اما ما تحمله داخلها وتخفيه عن الأعين هو مالا يصدقه عقل ولا يتصوره منطق ولا تدرى هى سببا لذلك!!!


نشأت نورا فى حضن زوجة اب قاسية بجهل ودون قصد .. فكانت تعاملها كخادمة .. ووسط اخوة تميزوا بالأنانية .. فلم تسمع يوما كلمة حب خاصة بعد وفاة والدتها .. ولم تر فى طفولتها نظرة عطف فى ظل انشغال والدها بأعماله وزيجاته .. ولم تمتد يوما يد لتربط على كتفها بحنان وسط اهمال الجميع لها ..

ورغم كل ذلك كانت تلميذة نابهة .. تحصل على اعلى الدرجات .. وتنجح بتميز كل عام .. ولكنها لم تجد تقديرا من معلم بالمدرسة .. ولا من اهل بالبيت ..

لاحظت نورا انها احيانا تجد نفسها وبدون ارادة منها تسرق اشياء زميلاتها بالمدرسة .. وتتفنن فى كيفية اخفاء هذة الاشياء .. وتكون فى منتهى السعادة طوال بحث وبكاء الزميلات بل انها تمثل عليهن انها اكثرهن بحثا وحزنا على ما حدث !! ..

والأكثر ادهاشا وغرابة انها وفور انتهاء اليوم الدراسى تتخلص من هذة المسروقات ببساطة شديدة بأن تلقى بها فى اول سلة مهملات ودون ان تشعر بذنب او تتوقف امام الموقف الذى يتكرر بلا مبالاة واضحة من جانبها .

وسط هذا التناقض انهت نورا مرحلة الدراسة الثانوية ثم الجامعية وبينما هى تستعد للبحث عن عمل وتحلم بالحرية والانطلاق التى تسمع عنهما بالحياة العملية كانت المفاجأة ان والدها قد وافق على خطبتها لشخص لم تره مرة واحدة بحياتها ولا تعرف عنه سوى انه زميل وصديق مقرب من شقيقها الاكبر .. وهذا العريس يكبرها بسبعة عشر عاما ..

وحينما حاولت الاعتراض لم تجد احدا يسمعها او يفهمها او يأخذ برأيها .. وحينما فكرت فى الهرب كانت اجبن من ان تنفذ ..

ولأسباب لم تفهمها اكملت التجربة واستعدت للزواج وكأنها اعتبرت هذه الخطوة هى الخلاص الوحيد لها من حياتها الجافة التى اعتادت عليها ولم تعد تستغربها.

وقبل الزفاف واثناء الاعداد والاستعداد للزواج حدثت مفاجأة من نوع اخر حيث توفى عريسها اثر ازمة قلبية مفاجئة فى ليلة العرس !! ..

وكم كانت مشاعر نورا متباينة مابين الصدمة والدهشة!! ..

والاهم انها اكتشفت ان ما حدث اسعدها واشعرها بالابتهاج وكأنة مشهد من رواية محببة لها .. والغريب انها كانت تنتابها فجأة نوبة بكاء مرير يكاد يصل الى الصرخات ثم يعقب ذلك حالة ضحك هستيرى جعلها تبدو امام نفسها غير سوية .. ولكنها كانت اشد حرصا على اخفاء ذلك تماما عن اعين وادراك الاخرين ..

اكملت نورا دراستها العليا وواصلت رحلتها بتمرد يصل الى درجة الفوضى .. ورغم مساحة الحرية التى اكتسبتها بعد تجربة الزواج على الورق وموت عريسها وخاصة مع انصراف الجميع عنها فلا رقابة من اخت ولا تنبيه من اخ ولا تحذير من اب الا انها كانت ابدا ليست صيدا سهلا .. فوضعت لنفسها المحاذير التى لا يقربها احد مهما كان ..

ولكنها من ناحية اخرى كانت تجد نفسها سعيدة حينما تترك نظراتها المعبرة وابتساماتها الرقيقة تحيط بزميل او شقيق زميلة او حتى استاذ لها ليتوهم انه اصبح قاب قوسين او ادنى من الايقاع بها ليأتى ردها فى اللحظة المناسبة قويا وعنيفا ومفاجئا .. لتتركة حائرا معذبا ومتيما بها سواء بمشاعر صادقة او حتى بدافع الرغبة لتكرر ذلك مع غيره بلا هدف او غاية واضحة ..

ووسط هذة الاحداث حدث ما كانت تستبعده نورا تماما .. حينما ذهبت لزيارة زميلة مريضة بالمستشفى .. فكان اللقاء الذى قلب موازين قلبها وعواطفها التى تحركت بصدق لأول مرة .. حيث التقت بطبيب شاب يعالج زميلتها .. يبدو وسيما وبسيطا وناجحا .. تجاذبا الحديث بكل اللغات .. نجحت بلغة عيونها الجريئة وشخصيتها الجذابة فى توصيل رسالتها له .. وحينما حاول تجاهلها فى البداية ازدادت هى اصرارا بعدما تأكدت من صدق مشاعرها ..
ولأنها لم تعرف الفشل فى مثل هذة الامور لم يأخذ الامر منها وقتا طويلا .. وبدأت مع هذا الطبيب تشعر بارتياح حقيقى فكلماته معها لها طعم اخر وهمساته لها تزيد خفقان قلبها واهتمامه بها جعلها تشعر بأنها تولد من جديد ..

فقط لاحظت انها وكلما وجدته سعيدا بحثت عن شئ وهمى يفسد علية سعادته ولا تعرف او تدرك سببا لذلك ..

وكم كان القدر قاسيا على نورا حينما كانت عائدة من جولة ممتعة بالنيل مع حبيبيها الطبيب .. حيث تعرضت لحادث اليم حينما حاولت الققز من المركب الى الشاطيء فسقطت على بقايا شجرة بقوة وانزلقت قدمها الى مياه النيل ..

وكانت الظروف اشد قسوة حينما نتج عن هذا الحادث بتر ساقها .. لتعيش بساق واحدة بقية حياتها !!

والمدهش ان ماحدث لنورا وبقدر قسوته وايلامه الا انه اشعرها بشئ من السعادة حينما وجدت بعضا من اهتمام الاهل والزميلات .. ولكن ماذا كان موقف الطبيب الحبيب الذى خرج من الحادث بلا خسائر ؟!

اجابة هذا السؤال كانت سببا مباشرا فى احداث الصدمة الاكبر لنورا فقد تخلى عنها فورا وراح يعيش حياته كما اراد ولم يعبأ بها او بمشاعرها .. بل والاكثر وجعا وقسوة انه اعلن ارتباطه بزميلة نورا الاكثر قربا منها والتى كان يشرف على علاجها سابقا !!

تظاهرت نورا بالقوة والكبرباء وحاولت الاستمرار صامدة وبدت امام الجميع واثقة قوية ونجحت فى الحفاظ على رونقها لتبدو جميلة الجميلات .. وحرصت على حضور زفاف زميلتها على هذا الطبيب وهى بكامل اناقتها وانوثتها .. ورقصت معهما فى سعادة مبالغ فيها رغم وقوفها على قدم واحدة وساق صناعية.

وعاشت نورا مع هذا التناقض حيث هى امام الناس شخصية هادئة ومسالمة وبعيدا عن الاعين هى تصارع رغبتها الجامحة فى الانتقام من كل واى شئ ..

اعتزلت الناس قدر استطاعتها واختلت بنفسها وراحت تمارس ما قررت فعله مرغمة ودون ارادة منها .. راحت تدمر كل من حولها بكافة الطرق الشيطانية دون ان تظهر فى الصورة بل كانت دائما ابعد الجناة الى الاذهان ..

بدأت بوالدها التى تسببت فى الحاق كل انواع الخسائر به من مادية ونفسية الى حياتية .. ثم اخوتها واقربائها .. ثم زميلاتها ومعارفها .. وصولا الى شقيقتها اقرب الناس لها .. حيث تسببت فى طلاقها وتشريد اطفالها وهى التى كانت تعتبر نموذجا فى السعادة الزوجية والاسرية !

ظلت نورا على هذا الحال حتى انكشف امرها .. واتضح موقفها فكانت صدمة ومفاجأة للجميع !

فمن يصدق ان امرأة بكل هذا الجمال والفكر والثقافة تقدم على كل ذلك .. ومن يصدق ان فتاة بكل هذا الاسلوب الساحر والهادئ والنظرات الحالمة والابتسامات الآخاذة تكون سببا فى تدمير الجميع بلا شفقة او رحمة بل بلا ادراك لحجم الجرم الذى ترتكبه .. ومن يصدق ان نورا جميلة المظهر وحلوة اللسان وواثقة الطلة كما تبدو امام الجميع ممكن ان تكون بكل هذا التشوه ؟!

وحينما واجهوها باجرامها لم تنكر او تتهرب بل صرخت فيهم جميعا واعترفت انها قد تكون ( مشوهة ) ولكن من السبب !

تساءلت نورا ولم تنتظر الاجابة بل راحت تجيب وتؤكد ان الاسباب كثيرة ومتعددة .. بداية من قسوة الاب وعنفه مع طفلة صغيرة لا تعرف معنى الحياة .. ومرورا بتجاهل الاشقاء واهمال الاهل ولا مبالاة المجتمع بمعظم طوائفه ومؤسساته .. ولا تنتهى بالمتناقضات الكثيرة التى نعيشها .. حيث نقول مالا نفعل ونفعل مالا نقول .. ومعظمنا له اكثر من صورة ووجه .. واصبحنا نبدل مواقفنا ووجوهنا كما نبدل ملابسنا وربما اكثر واسرع .. كل منا يبحث عن مصالحه الوقتية بأنانية مفرطة ويدوس فى سبيل ذلك كل واى مبدأ او شخص !!

وتقرر نورا الذهاب الى المصحة النفسية للعلاج بعد ان تنصحنا وهى داخل اسوار المصحة بضرورة ان نفيق ونصحو ونشعر ببعضنا البعض ونعود اكثر انسانية قبل فوات الاوان !!

فهل فعلا يحدث ذلك وهل سننجح فى الافاقة من سبات الانانية والانامالية .. وهل ستشفى نورا وتعود شخصية سوية وجميلة الجوهر كما هى فى المظهر ?!

هذا ما سنراه ونعرفه ان اراد الله فى احداث البقية الباقية من ( المشوهه ) !!

....وللقصة بقية فى الجزء الثانى.....
..............جمعه قابيل....................