السبت 27 يوليو 2024 04:53 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

#بلا_هوية

دكتورة مارى جرجس رمزى تكتب : مكالمة

دكتورة مارى جرجس رمزى
دكتورة مارى جرجس رمزى

ذاك الصباح ، كنتُ على فراشى أقاوِم غوايتَه الخبيثة ، يراودنى على نفسى ؛ لأبقى بحضنه مدة أطول و كنت لا أزال أتأرجح بين النوم و اليقظة يتجاذبان طَرَفىّ وعيى المستسلم لهما فى ترقبٍ بليد ينتظر مَن سيظفر به فى النهاية ..
أومَض هاتفى المحمول الصامِت فسَرَقَتْ ومضةٌ طريقًا إلى مقلتى لحيظة طَرَفَتْ فيها عينى. كسريان تيار كهربى ضعيف فى أوصالى اخترَقَنى مُكتَسِحًا حواسى بالكامِل ، فَحُسِمَتْ المعركة .. و استَيقَظْت .تناوَلَتْ أناملى الهاتِف اللعين بوَهنٍ وضجرٍ ..وكأننى أعترض على حكم نهائى -لا استئناف فيه- لقاضٍ قاسٍ أداننى مُذنِبَة وعلى أن أنفذ حُكمًا جاحفًا بالأشغال الشاقة..
ولم لا أشعُر بذلك؟! فالناس أضحت بائسة وأمست يائسة وباتَت وفى قلوبها برودةٌ قارسة
هرب السلام من القلوب هروب الآمنين من وطيس حرب ضارية اندلعت فى أوطانهم...وحل محله الاضطراب وشُيِّدَ له مستعمرات شاهِقَة مُترامية الأطراف، واثقًا ألا رحيل..
وأى سبيل للرحيل وقد أسكَنها الحِقد والشَّر والارتياب والبغضاء؟! فبات واثقًا أنَّه مَلِك قَد مَلَكَ وساد...
أخذتُ أحدِّقُ فى شاشة هاتفى لأعرف صاحِب المكالمة الواردة ، فإذ بى أرى رقمًا أعدم ما تبقى لدىَّ من أملٍ فى البقاء على هذا الوضع الفاتر على مضجعى ..
انتفضت من فراشى غير مكترثة بتوسلاته البائسة و كأننى قد استيقظت منذ ساعاتٍ طوال وارتشفت قهوتى و مارست طقوسى التى أستعد بها لاستقبال تحدٍ شاق ، لا اختيار فيه إلا النجاح و الفوز ..
هذا الرقم الذى طالما عشقت عيناى رؤيته فوق شاشة هاتف أرضى تقليدى أسود اللون مقيد بسلك طويل، نهايته - و إن طالت قصرت - مدفونة فى حائطٍ فى بيت أبى ، يأسرك بجانبه فى وضعية واحدة ربما فوق مقعدٍ غير مريح البتة ، ربما يمر بك كل أفراد أسرتك وأنتَ تتحدث فيه ، و ربما جلس أحدهُم أمامك يُنجِز عملًا ما .. فلا تملك شيئًا إلا أن تواصل الحديث ..

كانت الخصوصية محدودة لكن الحُب كان غير محدود ، فما أبعد اليوم عن البارحة! فالخصوصية الآن أضحت بلا حدود أما الصدق و الحُب فمعدوما الوجود ..
يتبع ...