السبت 27 يوليو 2024 05:04 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم يكتب : جائحة الاصفرارية!!

الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم
الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم

أزعم أن من أقسي ما يبتلي به المرء : أن يبتلي بكاره يرتدي زي محب ، يسيل الثناء من فمه ، تزلفا أو خوفا وجبنا ، وقلبه منعقد علي السواد ، مضمر الشر ، يتمني هلاك من يتزلفه أو يداهنه !!

ربما يكون هؤلاء هم الداء الأزرق المشار إليه في دعوات أهل الكراهية ( أن يبتلي الإنسان بالداء الازرق ) .
في المجتمع ( أي مجتمع ) أناس يوصمون بأن ضحكاتهم صفراء اللون ، والإبتسامة الصفراء هي التي يريد بها صاحبها عبثاً تغطية ما يضمر ما في داخله من كراهية مقيتة لا مبرر لها سوى انها قد تغلغلت في ذاته مكونة لعادة سيئة سالبة للمودة والرحمة وحب الخير للغير ، واضعاً بدلاً منها كمية لا بأس بها من المداهنة والتقية ، والمرء السوي هو ذاك الإنسان الذي لا تنطلي عليه تلك الابتسامات البلهاء التي تختم بالدليل علي ما يكنه قلب الإنسان الأصفر من غل وحقد ولؤم وجبن .

ان الاصفرارية ( إذا جازت التسمية) مرض خبيث يجب علينا اجتثاثه من جذوره بالوعي والفهم والحس والتمييز ، فما أوقع الناس في شر أعمالهم إلا اختلاط أنواع الضحكات عندهم ، فلا تمييز عندهم بين ضحكة صافية تحمل حب الخير ، وتعكس ما بالقلب من صفاء ونور وحب الخير للغير، وبين ضحكة صفراء مريضة شاحبة اللون مثل صاحبها ، ضحكة مرسومة ملصوقة ، وليست نابعة ولا خارجة من قلب سليم ، بل من قلب أصفر عليل كليل ضعيف ، يظهر الخير وهو منعقد علي الشر والكره .

أفهم وأقدر خطورة التمييز بين الضحكات ، خصوصاً في ظل المهارات الفائقة التي يتميز بها أصحاب الضحكات الصفراء في إضمار الكراهية وإظهار الود والمحبة وتمني الخير ، ولكن تبقي الكياسة شاطئ آمن من مغبة سوء الظن والحكم الظني علي الضحكات .

لا استبعد الوقوع في الخطأ عند التمييز بين الضحكات ( صفراء أم خضراء ) بشكل جذري ونهائي وقاطع ، فمن الممكن أن يكون حكمنا علي ضحكة ما بأنها صفراء استناداً إلي نظرة قاصرة ، أو إحساس مذبذب ، أو تأثراً بكلام الآخرين، والأخذ بما سمعنا عن هذا او ذاك دون تمحص أو تأكد مما سمعناه . وسيبقى حسن الظن مقدماً في الحكم علي الضحكات ، حتي يثبت بالدليل القاطع والبرهان الساطع العكس .

وعند التأكد بما لا يدع مجالا للشك باصفرارية الضحكات ، يستحب حسن التدبير مخافة الوقوع في شراك تلك الضحكات فيتدلي الإنسان في بئر الخديعة ، والذي يحسبه طريقا يابسا فإذا به بئر عميق ضرب علي بابه بغطاء واهي شكله صلب وقوته تماثل قوة خيوط العنكبوت ولو عرفت أو علمت أو قرأت أو آمنت بأن هناك أوهن من خيوط العنكبوت لنعتها به ؟!!

إن خطورة الحالة الاصفرارية تكمن في إخفاء الكراهية التي تملئ قلب الشخص الأصفر وتجعله يظهر مرتديا ثياب الأحباب فتمكنه من الوصول إلي غايته والتي لا تكون بعيدا عن رقبة من يكرهه ومن اصفر له ، والتي يصعب الوصول إليها إذا أظهر عداوته وأبان غله.

ولا اخال أن أؤكد أن الاصفرارية تضرب بعنف في المجتمع علي كافة المستويات ، في العمل وفي الشارع ، وفي البيوت أيضاً ، بل في الغرف ، ولا اكون مزايدا إذا قلت وفي الغرفة الواحدة والسرير الواحد ، وإذا استقرت في السلوك قل علي الوضوح السلام .

إن الاصفرارية اخت الجبن ، والخسة ، وتخاصم الوضوح ، وتجافي الحقيقة ، وتعشق التقية ( اظهار ما يخالف المنعقد في القلب ) فعين الأصفر ترصد كل عيب وتخبأه إلي حينه .. وعين الأبيض تستر كل العيوبا .

فاتقوا الصفر من البشر ، الذين يعطون الناس الكلام الجميل المزركش ، وقلوبهم مدخنة موجوجة من اشتعال نيران الحقد والضغينة والبغضاء في نفوسهم ، وما أخبأته دواخلهم أعظم وأكبر من الموجود في قلوبهم ، وما يتمنوه من الشر أكبر مما خبأته دواخلهم ؟! إن الود لا يخفى وإن أخفيته.. والبغض تبديه لك العينان.

الاصفرارية ليست صفة فطرية ، بل يكتسبها الشخص من بيئته ومجتمعه وللأسف ان ينشئ ويتربي جيل عليها من خلال مايروه ويشاهدوه من والدينهم من فنون الاصفرار في الأقوال والافعال. ولا شك أن اصفرار المواقف والتعامل يضر بالمجتمع ضرراً فادحا ، لأنه يبني مواقفه علي معلومات خاطئة ، ومشاعر مزيفة ، وينال من الوضوح والثقة والأمان والاطمئنان ، فيغتال المرء من مأنه ، ويقذف من حارسه ، ويعاب من مادحه!!

والتصفر انحطاط اخلاقي وقيمي اجتماعي يدلل وبوضوح على مدى ما وصل اليه صاحبه من انحدار خطير في فطرته وما وصل اليه من طبائع يرفضها الذوق والمنطق معا وترفضها المبادئ السوية والذي يمارس هذه العادة السيئة فما هو إلا فاقد للمروؤة ، انسان جبان تفضحه جوارحه قبل تصرفاته ، فقد تحس بغليان قلبه حتى وان واجهك بمحياءٌ باسم .فإن القلوب إذا علا صوت غليانها ، لا يخفيه لسان مادح ، أو فم ضاحك!!؟.
الخلاصة
الاصفرارية جائحة مجتمعية تهدد المجتمع في بناء استراتيجياته علي اسس ثابته ، وتعرضه للخطر لاعتماده علي مواقف وأقوال ملتسبة غير حقيقية.