السبت 27 يوليو 2024 04:51 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الدكتورة غادة بدران تكتب : ”رسالة لاجئ”

الدكتورة غادة بدران
الدكتورة غادة بدران

وأنه لما اجتمعت عليه السنين القارسات ودارت بنا الدوائر وخيم الظلام الجائر وتنهّد الطفل على أكتاف والديه مبتلّا بالأمطار تتزاحم القطرات على فتحات خياشيمه الغضة لتمنع اوكسجين السماء وفي أسفل باطنة قدميه تقام قداديس الطين المتراكمة على امتداد ساقيه المتقرحتين ....
دفن الصراخَ في صدره منذ لحظة نزوحه وتعايش مع أنين روحه التي يحملها بين كفيه كدمية وحيدة له
ويرمق بعينيه المتعبتين أشباح الناس المكتظة بالأنين في مخيماتهم المثقلة بالمهجرين...
خارج حدود دولتهم ،خارج بقعة بلادهم ،وليس لهم معين سوى شوادر لاتقيهم الحر ولا البرد...
طردته يد الحرب الدائرة في غفلة من سنين عمره الغض...هوى البيت بجدرانه على دميته الصوفية التي لم تفارق خياله يوما....استعاض عن صراخه بزفرات صدر امه الجريحه وخشونة وارتعاش راحتيّ والده الذي جرى بعائلته خارج حدود الوطن...
من كان يتوقع يوما أن هذا الفتى السوري ستزجره أرضه خارجها ،من كان يتوقع أن يوما عبوسا ينتظره خارج حضن أمه...وعلى مشارف جفنيه المثقلين بالأسى والسهاد.....وعلى تخوم معدته المتضورة جوعا...وعلى امتداد حلقه المتشقق من العطش ..
كفان يحملانه بعيدا إلى عالم المجهول ويشحنان قلبه بغرائب الأيام والليالي الباردة الحالكة وقرقعات
الشوادر الممزقة من عواصف أعملتْ سيفها في المخيمات....
يزرع الأب قدميه في شبر من الطين البارد والحصى الحادة...وتزرع الأم ولدها في حضنها فهو الموئل الوحيد الذي يحمله تحت السماء وفوق الأرض...
يمسّد الزمن شعره ويواسيه بما لايفهمه،،إنها الحرب ياولدي،،،
إنه الجور والظلم الذي جرى يدفع الآمنين خارج بيوتهم طلبا للأمن وفرارا للقلوب من زلازل الفقر والموت....
سورية الجريحة النازفة تنزف دماءها على البقاع وتنزف ناسها خلف حدودها يجتمعون كخلايا النحل
على بقاع الأرض تحضنهم مخيمات لن تغني أبدا عن بيوتهم التي كانت لهم في وقت مضى....
تتحكم بهم يد السلطات الخارجية وتوجههم الى أماكن رضوا فيها علّها تنقذهم من وحش حربٍ كاسر
من وحش موت ،من وحش دمار زلزل النفوس قبل الجدران...
طفل آخر يقابله بنظراته..،،وكأن روحه تخاطبه فتقول....صديقي..أنا لاجئ مثلك ولكن الذي دفعني للنزوح هو يد الطبيعة ومناخها المتعجرف الذي أجرى رياحه الهائلة وفيضانه على تخوم بلدتنا فحملني كف أمي على كف العواصف الهوجاء واجتاحت المياه كل ناحية و زاوية وشرفة
ورأيت بأم عيني كيف تغرق ألعابي وورودي
وأسطحة البيوت التي حولنا و أغمضت عينيّ وفتحتهما هنا في أكوام الناس التي هجرتها السيول والفيضانات و دمرت مزارعهم وبيوتهم و أخذت كل شيئ منهم عنوةً.....
للمناخ يدٌ باطشة لاترحم ..لايعرف طفلا ولا شيخا كهلا ،لايعرف حياة متحركة الا يرسل طوفانه لتغرقها
أو يرسل عواصفه لتحطمها....
هذا هو الواقع المناخي في شرقنا الأوسط..
ظواهر طبيعية تتوالى على بقاع تلك المنطقة من زلازل و فيضانات وحالات الجفاف الشديد المخيمة في مناطق سورية الداخلية كمثال كوارث أخرى..
تدفع بالناس الى النزوح القسري الى مناطق ربما تكون وهي الاكثر خارج بلادهم...تغير اسماءهم من مواطنين الى لاجئين...الى مصطلح قسريٍّ يزرع بالنفوس الأسى قبل شعورها ببعض من النجاة
يزرع في قلوبهم الأسى وحرقة الفراق والتغرب قبل أن يعيشوا لحظة وصولهم الى مكان ربما يكون آمنا لهم....ورغم كل المساهمات الدولية بحق اللاجئين
من ظروف المناخ كالقانون الذي ينص على حظر إعادة أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه لضرر جسيم ولا، بما في ذلك التعرض للتعذيب وأشكال أخرى من المعاملة السيئة وانتهاكات حقوق الإنسان بشكل عام.
كذلك الاتفاقيات الثنائية أو الإقليمية بشأن حرية تنقل الأشخاص في سياق تغير المناخ للسماح للأفراد النازحين بالاستقرار في بلدان أخرى.
أنا مثلك يا صديقي لا أتمتع دائمًا بالحماية بموجب القانون الدولي للاجئين. ومهما شكلوا منظمات لأجلنا فإن الحكومات ومنظمات الإغاثة تنظر الينا كلاجئين ونازحين باعتبارنا وضعا مؤقتا،أما حان هذا الوقت لاعادة النظر في هذه المشكلة انهم هكذا ياأخي...

وها أنا واحد من بين عشرات الملايين النازحين على كوكب الارض حالة نزوح، كلاجئين أو نازحين داخليًا أو طالبي لجوء، بسبب الصراع أو الاضطهاد وتغير المناخ أو الكوارث الطبيعية...عندما أكبر يا اخي
أين سأذهب هل سأصبح في طي النسيان وفي المنفى ام سيسمحون لنا بالعودة ام سيهيئون لنا شروطا تناسب الحياة الانسانية في بلدهم...
آه أيتها العيون الشاردة التي تتزاحم أمامها المشاكل والعقبات في بلاد غريبة ...أرزح تحت ظل عدم حصولنا على إذن للبقاء وانتظار حصولنا على حل دائم، سنواجه المشقة كبرى في العيش. ويعاني أهلونا من الفقر ويواجهون صعوبة كبرى في تلبية احتياجاتهم واحتياجاتنا الأساسية للغذاء والمأوى.
فهل سيبقى الآباء بمواردهم المشارفة على الانتهاء
انني يا صديقي مثلك الآن بحاجة المأوى بحاجة التعليم بحاجة الأمان من بعض الحالات الشاذة في المعاملة من قبل البعض...من حقي أن أحيا كإنسان وأتعلم التواصل مع مجتمعي وأفهم وأعلم وأعمل وأحيا بكرامة ...وكما ترى فحالي الان كحال الكثيرين أين مواد النظافة التي تزيل عني طبقات الطين المتراكمة ..وتلاحقني كما كانت أصابع أمي تلاحقني بمناديل النظافة والعناية...وهل تقتنع ياصديقي أن الدواء موجود..هنا..ربما وان وجد فسيكون كقطرات ماء في فم عطشان ونادر جدا مهما اتفقوا واجتمعوا بشأننا فعليهم أن يعيدو النظر بنا مرة تلو مرة...
نحتاج لمن يزيل من أنفسنا ويواسي قلوب الناس في ذلتهم الشديدة نحتاج لمن يدفع بي الثقة لأحيا كطفل له حقوقه تمحو ما تكدس حوله من أكوام نظرات الآخرين والتي تلبسنا أثواب الذل كل حين..
نحتاج لمن يتضامن معنا ويعتني بحقوقنا ويؤدي الامانة في إيصال كل أعمال الخير والمعونة كاملة عبر ايادي الخير البيضاء التي لاتعرف الفساد والغش...نحتاج قلبا صافيا..نحتاج لاطفال نلعب معهم كحاجتنا لنور الشمس ياصديقي