الومضه الثامنه والعشرون( جزء ثان)
الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز يكتب : حديقه حيوان خصوصي.
الجارديان المصريةالابواب والنوافذ في حاره السلطان قُدر لها ان تكون أماميه فقط تطل علي نهر الحاره، والاجزاء الخلفيه من البيوت تركن بحيطان مسمطه علي بيوت حاره اخري لايشتركان سوي في مساقط النور علي المناور،كما ان التهويه اماميه فقط ولايوجد في الجزء الخلفي من البيوت مايدعوا للغرابه، تلكم الغرابه التي سيطرت يوما علي هذا الطفل الصغير الذي كانت امه تفتح له التلفاز علي قناه عالم الحيوان فيري فيها الغرائب والعجائب ، يري الحيوانات مختلفه الانواع والالوان تسعي امامه في التلفاز فيسرح بمخيلته مخترق الغابات يفتش في الفجوات الحجريه علي الوحوش عله يقع نظره علي ايا من صغارها فيعاين سلوكها ، وليس بعيدا ان تصاحبه فيستأنسها، وبينما هو في هذه الحاله من السرحان وتشغيل مخيلته التي تحلق الان في سماء الغابه ، افسد صوت امه عليه ماكان يصبوا اليه من الاسترسال حتي يقترب من بيوت الوحوش الصغيره ، تأفف الطفل الذي لم يتجاوز العاشره بعد طلب الام المباغت تدعوه الي الصعود الي سطح البيت ليأتي لها برأس من الثوم علقتها في الحائط الطوبي المسمط المشترك بينها وبين الجار الخلفي،بعد التأفف تحرك الطفل ببطئ يصعد درج السلالم وهو يترنح فمازال خياله الخصب يعمل ويتحكم في حركه قدماه التي حفلت بإعاقات كثيره وهي تتخطي اكوام من الرمال وردش القيشاني وبعض السلالم الحجريه القديمه حتي بلغ الطفل مأربه في اخر السطوح وشب قليلا لينتزع رأس ثوم من ضمن عشرات الرؤوس القابله للانتزاع بسهوله، انتزع الطفل الرأس وبدأ رحله العوده عبر رأس الرجاء الصالح حتي يتحاشي اكوام الردش التي كادت تدمي قدماه بعدما ارتضمدت بقطعه قيشاني مكسوره، كان عليه وهو يسلك طريق رأس الرجاء الصالح ان يرقب في الطريق الحائط الفاصل بين مسقطي النور ، مسقط بيته ومسقط الجيران الذين تجاورا وتشابها في كونهما حجرتي خزين مفتوحتان حتي السماء ،وفي الشق الواسع بين المسقطين كانت تنتظر الطفل مفاجأه ، العديد من الابراص والسحالي كانت تختبأ وتتحرك بحريه كبيره في ذالك الشق الممتد بطول اربعه امتار ،ولكن الذي جعل الطفل يقف مذهولا رؤيته لاحد الابراص العملاقه الذي شغل مساحه حوالي ربع متر من الحائط ملتصق به لايتحرك، توقف الطفل من هول المفاجأه فلقد جاءته الغابه التي شغلت لبه منذ قليل الي سطوح بيته ، واضحي يملك كنزا شخصيا لايحظي به احد من اطفال الحاره ، وبعد ان كان يصعد الي السطوح ولايمكث عليه سوي دقائق، الان يقضي به الساعات يراقب حركه الابراص والسحالي والفئران المتجوله بطلاقه داخل حوائط مسقطي النور، واحيانا تلمح عينيه احد الحنشان الصغيره ولكنه لايلبث ان يختفي في لمح البصر ، كان الطفل يسأل نفسه عن هذا البرص العملاق وكم من الزمن عاشه ليصل الي هذا الحجم الهائل بين احجار الحائطين؟ هذا السؤال لوسأله الطفل لاحد الكبار ،استخف به وسخر منه ، اذن هذا الكنز ملكه وملك اطفال الحاره ولا يمكن ان يُطلع عليه الكبار ، فالكبار لهم همومهم بعيدا عن مراقبه مساقط النور من اسطح البيوت ، اذن فالامر لابد ان يكون قاصرا علي اطفال حاره السلطان حيث هرع الي السطح عشرات الاطفال يستمتعون بمراقبه ذالك البرص العملاق الذين يتخيلون وجوده منذ الف عام بينما الحاره ومساقط النور بنيت بصوره عشوائيه منذ مائه عام ،يومها لم يحظي الطفل بإجابه مقنعه من افواه الصغار ، ولكنه كفاه منهم نظره امتنان اعينهم التي تشكره عن اكتشاف حديقه حيوان السطوح التي اغنتهم عن الذهاب الي حديقه حيوانات الجيزه دون الاحتياج لارتياد المواصلات العامه او تكبد معاناه الزوغان من الكمسريه! بل ومنحتهم استمتاعا يفوق مشاهده التلفاز الذي هجروه الي مراقبه الامور الطبيعيه والاستمتاع بالطبيعه وان كانت محصوره بين مسقطي نور بيتين احدهما يفتح بابه علي نهرحاره السلطان، يومها جذبت الطبيعه الاطفال فصدوا عن الشاشات المرئيه المعلقه علي الحيطان .