الإثنين 6 مايو 2024 05:07 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

فنون وثقافة

د.كمال يونس يكتب : الباليرينا

دكتور كمال يونس
دكتور كمال يونس

تعلق قلبه منذ صغره بعروض الباليه ،التي كان يتردد عليها رفقة والده ،والدته ليشاهدها بشغف، منتظرا عرضا بعد عرض في لهفة ،لم يفوت أيا منها سواء في الأوبرا القديمة قبل احتراقها أو دار الأوبرا الجديدة،حتى بعد أن أصبح طبيب أمراض نفسية شهير، سحرته الرقصات،الدقة،الإبهار ،في جو معبق بالجلال والجمال الفني الموسيقى العالمية ، كانت تلك الراقصة الروسية بطلة معظم تلك الأوبرات ،إعجابه بها كان طاغيا ،وتدور الأيام دورتها معلنة اعتزالها بعد أن تزوجت مصريا ، وتقدمت في العمر ،عملت مدربة لبعض الوقت ،اختفت أخبارها ،فوجيء بالصحف تنشر خبرا عن معاناتها مع الألزهايمر -خرف الشيخوخة- ،تقيم بأحد دور المسنين بعد أن مات عنها زوجها ،و بلغت التسعين من العمر، لم ترزق بأبناء،أصرت على البقاء بين ذكرياتها ، اتصل بالصحيفة عرف عنوانها ،ذهب ليتفقدها، تجلس على مقعد متحرك، شاحبة،ذاهلة،شاردة،تنتابها نوبات من الكلام مقاطع بالروسية،ومقاطع بالعربية ،دائما تخاطب زوجها ، أتفق مع مديرة الدار أن يصطحبها لمزرعته الخاصة بالريف ليعالجها ، موفرا لها مرافقة وممرضة للعناية بها ، ولم لا؟،فلقد أسعدته كثيرا ،كم ملأت روحه بهجة وسعادة ، حين ترقص الباليه ،حين تحلق كفراشة على المسرح ،وضعت برنامجا علاجيا يتضمن فترات سماع يومي منتظم لموسيقى أشهر الباليهات التي كان تؤديها ،واشتهرت وأبدعت في أدائها ، على جدران غرفة نومها بوسترات العروض التي شاركت فيها ،وعلى شماعة الملابس ملابس راقصة بالية ،وعلى رف خاص بضعة أحذية باليه، بعد مضي حوالي أسبوعين لم تستجب فيهما للموسيقي، صورة زوجها ،ألبوم خاص للعروض التي شاركت مما جمعه لها ، ومن أصدقائها ومعجبيها السابقين ، قلل تدريجيا فترة عزف الموسيقى ، انتابتها إثر ذلك نوبات هياج ،قيدوها في كرسيها المتحرك كي لاتؤذي نفسها ،لم تهدأ إلا بعد عزف الموسيقى ثانية لفترات أكثر وأطول، شيئافشيئا ،تتأمل البوسترات الملصقة على الجدران ،تتأمل صورتها ،في ظل استماعها للموسيقى،صارت أكثر تركيزا ،تتأمل صورة زوجها ،تخاطبه، أمسكت بالألبومات قلبت فيها ،مع كل صورة تنطق بعبارات لكأنما تعود لها ذاكرتها تدريجيا ،أحضر شاشة ،عرض لها أحد أوبراتها المفضلة كما صرحت قديما ،بحيرة البجع،تابعت بشغف ،في اليوم التالي فوجئت المرافقة والممرضة بها واقفة على قدميها،تاركة كرسيها المتحرك ، محتضنة زي راقصة الباليه في يد،وحذاء الباليه في يد ،وتؤدي بعض حركات الباليه على أنغام الموسيقى،وتؤدي التحية عند سماعها لتصفيق الجمهور،تحسنت كثيرا ،قضت مابقي من عمرها تستمع ،تتحسن ذاكرتها ،تحرك قدميها ،حتى فاضت روحها لتؤدي رقصتها الأخيرة محلقة في السماء .

f10b23aaafc6.jpg