الأحد 19 مايو 2024 04:18 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

فنون وثقافة

الومضه الثالثه والثلاثون ( جزء ثان).

الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز يكتب : العجوز والماكينه.

الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز
الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز

نفذ وقوده ونفذت نقوده في الثلث الاخير من الشهر ، وبات عليه تدبير نفقات البيت في الخمس أيام الاخيره ، يومها هرع سريعا الي ماكينه الصرف الألي حتي وقف أمامها يستعطفها بأن تخرج له من جيب نقودها شيئا يسد به رمقه ولكن الماكينه جامده المشاعر والاحاسيس أخرجت من جيبها ورقه بيضاء طُبع عليها خبر سئ تخبره بأن الاعانه الشهريه التي تمنحها له التأمينات والتي لاتشفي ولاتسمن من جوع "خاصه في الخمس ايام الاخيره" لم تصل بعد, ، وقف العجوز ينظر بحسره تجاه الاله المسمطه الجامده التي لايستطيع الفضفضه لها أو معها وقد كان من قبل يفضفض لزملائه في العمل فيسعون جماعات الي عم محروس الصراف ليقرضهم حتي حين صرف رواتبهم ،
هو الان علي المعاش ولا احد من رفاقه في العمل "خاصه عم محروس الصراف "يسعي للقائه ليسأله عن حاله فيرد عليه " اخوك مأشفر، سلفني بعض الجنيهات حتي يحين ميعاد القبض فتأخذهم وعليهم قبله " اومجموعهً من الافراد يسعون معه الي عم محروس الصراف لنفس السبب ، عم محروس الصراف الي جانب عمله كصراف يعمل منقذا لزملائه الغارقين في الحاجه بغير بدله للغطس، يُلبسْ طاقيه ده لده ويأخذ الطواقي الزائده عن الحاجه فيستر بها رؤوس أصحاب الحاجات وخاصه الحاجه الي المال ، ذالك الستر بعيد كل البعد عن الماكينات الغبيه، ولكن عم محروس انقضي عهده وأودعوا حقيبته الجلديه التي كانت تحمل يوما ما مرتبات الموظفين احدي المتاحف واستقرت هناك وحيده تشكو الإفلاس ، وفي لحظه إفاقه من اجترار زكريات الماضي القريب ، شعر العجوز بوخذ في جانبه تنبهه بأن هناك طابورا طويلا وراءه ينتظر انتهائه من الوقوف سارحا امام الماكينه، تلك التي لم تسرح يوما مثل عم محروس ، اعتذر العجوز لمن كان يلكز في جانبه وسار مبتعدا بضع خطوات ولكنه لم يبتعد كثيرا عن الماكينه يراقب صوتها الجهوري وهي تخرج للناس الاموال ولاتلقي له بالا او يحظي باحترامها مع انه اكبر الواقفين سنا وعطاء خلال عمله الطويل واقلهم الان عافيه وقيمه، لم يجرؤ حينها العجوز ان يقترض من الماكينه او احد المترددين عليها سلفه حتي أول الشهر ، وإلا حسبوه متسولا ، وقد مكث طيله حياته غنيا ولكن غناه انحسر طيله عمره في التعفف ..
انتهي الطابور الطويل وعاد العجوز الي الماكينه يحاول مره اخري ولكن الماكينه لم تزمجر كما كانت تفعل مع الاخرين لاخراج نقودهم!! فَسحب العجوز الكارت وعاد الي بيته مهموما مدحورا وجلس علي اريكه متهالكه في ردهه البيت ينتظر الفرج مدافعا عن غناه المتعفف حتي موتته الكبري ، وفي حركه تلقائيه دخل العجوز علي الفيس بوك ، فوجد ان اكثر اصحاب المعاشات ليسوا أسعد منه حالا ، والواضح انهم جميعا زاروا هذا اليوم ماكينات الصرافه فلم تزمجر لهم ، في هذا اليوم امتلأ الفيس بوك بالبوستات الداعيه الي رفع قيمه الحد الادني للمعاش ، ولكن صاحبنا العجوز لم تمتد يده علي الشير رغم تحمسه التام لما ورد في نصوص البوستات، فقد منعه غناه في ان يحسبه احد الجهلاء فقيرا اومحتاجا ، فهو ينتظر مع الكثيرين ولكنه لايريد الظهور في الصوره القميئه للحاجه، وبينما هو علي هذا الحال من الفلس ، رن هاتفه المحمول يخبره بأن صديقا له يريد ان يرسل له مبلغا من المال كان دينا قديما عليه علي الانستا بيه ، كان لايزال الفيس بوك مفتوحا امامه خلال المكالمه وبعد الانتهاء منها ، مد يده الي الايك والشير حتي شير في ذالك اليوم عشرات من البوستات التي تدعوا للحفاظ علي الغني المتعفف من ذل السؤال.