الثلاثاء 21 مايو 2024 01:07 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

فنون وثقافة

الومضه الخامسه والثلاثون ( جزء ثان)

الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز يكتب : حارتنا قديمه لاتعبث بها.

الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز
الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز

خرج من الحاره مغاضبا يسعي للسكني في إحدي الكمبوندات الراقيه ذوا ت الاشجار العاليه والفيلات الراقيه ، خرج منها يسب اهلها ويقصفهم بدعاوي التخلف الحضاري، وان دينهم هوالسبب فيما ألت اليه البشريه من خراب ، لايعملون ولايخططون ولاينبذون اجدادهم، ويدعي عليهم انهم مفرطون في التفاهه ، ولا احد منهم لديه من امور الرفاهيه الحديثه شئ فلا أحد يقتني كلبا ضخما ولا احد يوجه اموره للرفق بالحيوان ، غادر اخينا الحاره الي فيلا في الكمبوند لم يسأله اهل الحاره يوما من اين اتيت بثمنها؟ حين رماهم بالتخلف والرجعيه ، وتركوا له في الحاره موطئ قدم من حبهم له لعله يرجع اليهم يوما ، في البدايه انبهر اخينا المتنور بظاهر الحياه الدنيا في الكمبوند الاكثر نظافه ونظاما وجمالا من حارته القديمه، فالفيلات قد رصت بنظام يتيح لكل قاطن الانعزال عن جاره، والاشجار العاليه تحجب الرؤيا ولكنها لاتحجب السمع ، بعد شهر اواثنين التحق اخينا المتنور بأحدي جروبات المجتمع الراقي علي الواتس اب ، كل يوم يطالع اخبار الكمبوند علي الواتس قبل ذهابه الي العمل ، خناقات وردود لاذعه وعدم اتفاق ونبره متعاليه تكشف طبيعه المتحدث الرخوه والتافهه في نفس الوقت ، هذه إمرأه تناشد اهل الكمبوند البحث معها عن حربايه لها اقتنتها وروحها مرتبطه بروحها وقد غابت عنها روحها ، واخري تشكوا جيرانها وكلابهم وان فضلاتهم هي السبب في هبوب روائح عفنه في الكمبوند ، فيرد عليها صاحب الكلب اوالكلبه :
يعني نعمل ايه ، حنخليهم يتبرزوا في حديقه الفيلا ؟
فترد عليه ، لا يافندم انا لا ارتضي لك ذالك ونحن عندنا حدائق مثلك يجلس فيها الضيوف ، لكن من فضلك ابقي خلي زوجتك تصطحب الخدامه بكيس علشان تشيل الفضلات ، احنا المفروض برضه نتعب علشان كلابنا؟امال يتعبوا نفسيا من حبستهم في الفيلا!!
ولكي يريح اخينا نفسه غادر الجروب الي غير رجعه وقرر ان يلجأ لمقوله " صباح الخير ياجاري انت في حالك وانا في حالي" ولكن هذه المقوله يمكن ان يلتزم بها اهل الحاره ولايمكن لأهل الكمبوند المعرفه المسبقه بها ، الاشجار العاليه علي ذات يمين اخينا وذات شماله كان يتسرب منها اصوات صاخبه ، يصحو علي شاب يسب أباه طالبا منه المزيد من المال ، وفي المساء جاره من الجهه القبليه يقيم حفلا يتناولون فيه شتي انواع الخمور علنا ،كان اخينا يراقبهم من بين فرعي شجر تباعدا بفعل الريح ولايصدق عيناه ان هذه الامور تحدث علي ارض المحروسه ، تكررت الحفلات الصاخبه بجوار اخينا المتنور دون ان يحرك ساكنا اويدعوا جيرانه المزعجين لتقليل صخبهم ، فإن فعل ذالك رموه بالتخلف والرجعيه وتقييد الحريات ، فسكت عن الكلام المباح وغير المباح وكأنه قد اصابه الخرس في مواجه المتنوريين امثاله !!
الامر الذي جعله يخرج عن صمته ان جاره الاخر كان لديه له ولاولاده خمس سيارات ، في كل يوم لايستطيع صف سيارته امام فيلته فيذهب الي أخرنقطه في الكمبوند ، حتي جاء يوما خرج فيه عن تنويره ولعن سلسفيل ابو جاره ، ونشبت بينهم معركه عاليه الوطيس لولا امن الكمبوند الذي فرق بينهم لمزقوا بعضهم إربا، وعاد كل منهم الي فيلته يدبر مكيده للاخر ، وطبعا في الروحه والغدوه لافيه صباح ولامسا.
ضاق اخينا الذي غادر الحاره مغاضبا ذرعا وزراعا بالكمبوند واهله المتنورين، وبعدهم عن ادني مراتب الايمان وهي اماطه الاذي عن الاخرين ، وأيقن حينها اخينا المتنور ان لا أمان لم لادين له ، يومها عاد الي الحاره خاضعا تائبا ، فإستقبله اهل الحاره بحفاوه ولم يمسحوا له دمعا لكي لايتألم من ضعطه اصابعهم تحت عينيه، ولم ينعته احد منه بالكبر بوم ان غادر ويوم ان رجع ، ولكن حكيم الحاره يومها اسدي له نصيحه واحده :
" حارتنا قديمه وماقبلت الاديان يوما سوي لفلاحها وبقاءها والقديم يعاد فلا تلغيه وتظن ان هذا تنوير".