دكمال يونس يكتب : الدائرة
الجارديان المصريةمن شدة فقره اضطر لترك الدراسة، مارس تجارة نمت حتى أصبح صاحب توكيل لعدة مصانع ،روعه وآلمه أن جاره زميل دراسته مايزال عاطلا بعد انتهائه من دراسته الجامعية ، دعاه للعمل معه، يناديه بالأستاذ، أصبح مصدر ثقته،يصرف الأمور على خير مايرام في حضوره وغيابه،مما ساهم في توسع تجارته أكثر فأكثر ، وعلى الرغم من أنه لا يصلي ، كان كريما مع الفقراء من أبناء الحي الذي تربى فيه ، الأيتام والأرامل ،والعجزة، تزوج غيورا تحرص على مرافقته في كل مكان ،تهتم بأناقتها وجمالها ، لايبخل عليها بشيء ،طلباتها أوامر ، لكن بإيعاز من أهلها لتؤمن نفسها خشية أن تغريه إحداهن فتخطفها منه ، أو تشاركها فيه أوعزوا إليها أن تختلس من أمواله التي يحتفظ بها في البيت، اشترت شقة باسمها دون علمه،أقام فيها أهلها، كم حكى لصديقه القديم الأستاذ عن نفقات سهراته اليومية ، تناوله العشاء بالكازينوهات كل ليلة مع زوجته وعائلتها ،يصرف ببذخ ،ليعوض الحرمان الذي عانى منه، حقد صديقه عليه، يحصد المكاسب، وينمي ثروة صديقه القديم الذي فشل في دراسته ، حقا لايحرمه من شيء ،بل يزيد راتبه من آن لآخر ،كان يرى نفسه أفضل منه،صاحب شهادة جامعية ،ألجأته الظروف ليعمل عند جاهل ، كان ناقما ساخطا على نصيبه ،دائما يتعجب من قدرة الله وقدره متساءلا لم قدر عليه رزقه؟ ،يستشعر بالضآلة والمهانة كونه يعمل لدى زميل دراسته الخائب، الذي ساعده في زواجه من جارتهما ، زميلتهما في المدرسة ، التي أحبها الأستاذ وأحبته ، لم يجرؤ أن يطلب يدها لضيق ذات اليد، مما زاد في تأجج حقده زوجته التي تقارن بين زوجها الأستاذ وصاحب العمل في ثرائه ،تمتعه بالحياة ،إنفاقه بسخاء على زوجته الأقل منها جمالا، عاشا حاسدين تظلل حياتهما الأحقاد،يعلنان حفظهما من الرزق ، تدثرا بالنفاق ،الابتسامات الصفراء، أجادا إخفاء مشاعرها السوداء الحقيقية،حتى أصيب وزوجته بكسور في حادث سيارة أثناء عودتهما من إحدى السهرات، استلزم بقاؤه شهورا بعيد عن مباشرة تجارته ، مما جعل الفرصة سانحة للأستاذ بإيعاذ من زوجته للعمل لحسابهما ، كان يهون عليه ،طالبا إيه أن يطمئن ،ولايشغل باله ، إذ أن كل شيء على مايرام ، حتى فوجيء بحجز من البنوك عليه استيفاء لديون التجار ، لم يجد صديقه- الذي هرب وزوجته لمحافظة أخرى،مفتتحا مركزا تجاريا كبيرا ، - ليحاسبه أو يستفسر منه عما حدث، استغرقت الديون كل ثروته ،عاد لنقطة الصفر ،أنبته زوجته طلبت الطلاق فهي لن تتحمل الحياة مع شخص مفلس،طلقها ،عاشت في الشقة التي اشترتها بماله الذي اختلسته دون علمه، وما استطاعت إدخاره دون علمه ، تزوجت عرفيا من أحد رفاق سهراتهم ، لم تبال بتحذير أهلها ، قاطتعهم ،تمر الأيام سراعا، استولى على مالها ،حليها، شقتها بعدما أقنعها ببيعها لتعيش معه في شقته ،لتجد نفسه منكسرة معدمة ، لتعود لبيت أهلها مفلسة ذليلة،أنفض عنه كل معارفه من مرافقيه في سهرات البذخ والكازينوهات ،لم يتبق له إلا محلا صغيرا في الحي القديم ،مرحبا به متعاطفا معه من كل أبناء الحي ، خطط أن يبدأ من جديد ، عاد إلى الله ، عرف طريق المسجد فألتزمه ،نادما ،تائبا،أطلق لحيته ، بيده مسبحته ،مكثرا من قوله حسبنا الله ونعم الوكيل ، مفوضا أمره لله ، ذات يوم بينما يسير في الشارع رأي الخائن قادما لزيارة أهله يقود السيارة، بجواره زوجته ،رفع سبابة يده اليمنى مشيرا للسماء ،ثم أشار للخائن وزوجته،ثم أشار لنفسه ،ختمها بما يشبه الدائرة على ثلاثتهم ، محدقا فيه مليا ،متابعا إشاراته باهتمام وقلق ،ارتبك، اختل توازنه إثر محاولته تفادي عربة نقل كبيرة اصطدم فيها بقوة ،لتنقلب السيارة بهما صرعى، سار في طريقه لايلوي على شي.