الأربعاء 6 نوفمبر 2024 04:39 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الكاتب الكبير المستشار عبدالرحيم حشمت عسيري يكتب : لا مكان بيننا للخونة

عبدالرحيم حشمت عسيري المحامى
عبدالرحيم حشمت عسيري المحامى

لسنا في حاجة إلى القول ـفالعرب تعرف ما نقول والعجمـ أن مصر على مدار التاريخ كله قديمه وأوسطه وحديثه فاتحة أبوابها على مصراعيها أمام كل من يلوذ بها ويلجأ إليها وكل من ضاقت به أرضه من الأجانب في الأزمات والمحن والشدائد وفاتحة ذراعيها لكل من يزور أرضها الطاهرة في كل وقت وحين سواء من أجل العمل أو الطبابة أو التعليم أو السياحة حيث كانت مصر منذ بدء الخليقة وما زالت بلادا عظيمة قوية كريمة مضيافة آمنة مستقرة ملاذا للخائفين ومقصدا للزائرين وعونا للمحتاجين وستظل كذلك إلى يوم الدين .
وبطبيعة الحال لن نستطيع هنا مهما حاولنا أن نسرد في هذه المقالة أفضال مصر على الإنسانية منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا .. ذلك لأن أفضال أم الدنيا على الإنسانية لا تعد ولا تحصى فمصر كما يعلم الكافة دولة عتيقة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ السحيق لآلاف السنين مرت خلال تلك السنين الطويلة بحقب تاريخية مختلفة مليئة بالأحداث المهمة التي رسمت على جبينها معالم مضيئة زاخرة بالأمجاد الخالدة وحافلة بالمناقب المشرفة .
فمثلا لن أتكلم هنا عن مصر (خزائن الأرض) بنص القرآن الكريم التي أطعمت العالم كله في السبع سنوات العجاف ولن أتكلم عن رحلة العائلة المقدسة من فلسطين إلى مصر هربا من اضطهاد الملك هيرودس وما لاقته من حماية ومحبة وترحيب من أبناء هذا الشعب العظيم ولن أتكلم هنا عن هجرة القبائل العربية من اليمن إلى مصر بعد انهيار سد مأرب بحثا عن الأمان والمأوى ولن أتكلم عن الهجرات المرتدة للقبائل العربية التي ضاقت بها سبل الحياة في بلاد المغرب العربي فهاجرت إلى مصر بحثا عن الماء والمرعى والمعيشة الرغدة .
ولن أتكلم هنا عن هجرة العرب إلى مصر بعدما خيرتهم إسبانيا بين التنصير أو القتل أو الهجرة بعد سقوط الأندلس التي لم يبق منها إلا الذكرى ولن أتكلم عن هجرة آل البيت إلى مصر خشية من بطش الأمويين ثم العباسيين من بعدهم فاحتضنهم هذا الشعب العظيم وآواهم ونصرهم وأكرم نزلهم ولن أتكلم عن الأرمن الذين نجوا بأعجوبة من الابادة الجماعية على يد الأتراك الهمج الأجلاف حيث جابوا بلادا عديدة بحثا عن الأمان ولم يجدوا غايتهم سوى في مصر .
لكن لا أدري لماذا خطر على بالي في هذه اللحظة عام الرمادة ؟ عندما ضرب القحط شبه الجزيرة العربية فهلك الزرع وجف الضرع حتى أشرف أهلها على الموت جوعا ربما لأن أهل شبه الجزيرة من شدة وقع البلاء لم يقووا حينئذ على الهجرة إلى بلاد أكرم أهل الأرض جميعا فذهبت هي إليهم لتنقذهم في عقر دارهم من هلاك محقق وفناء مؤكد حيث أرسلت إليهم قوافل إمداد أولها في المدينة المنورة وآخرها في مدينة الفسطاط (القاهرة) من فائض ما لديها من غذاء ، وماء ، وأموال، وكساء ، ودواء ، وغلال .. تكفي لإعاشة شبه الجزيرة لعدة أعوام .
ولعل من أسوأ المفارقات التاريخية على الاطلاق الفرق الشاسع الذي نلاحظه وفي القلب غصة بين عظمة مصر في عام الرمادة وبين تخاذل العرب تجاه مصر في الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها في هذه الآونة ... واقترضت على أثرها من صندوق النقد الدولي ـسيئ السمعة الذي ما أقرض دولة إلا وأربك حكومتها وجوع شعبهاـ بضعة مليارات تعد على أصابع اليد الواحدة في الوقت الذي قدمت فيه إحدى الدول العربية لأمريكا منحة لا ترد تقدر بـ 470 مليار دولار دفعة واحدة والمعروف أن هذه المنحة ليست الأولى من نوعها ولا الأخيرة !! .
وقبل أن نستعرض سويا أحوال الأجانب المقيمين على الأراضي المصرية ... يجب علينا أولا أن نتذكر أن معظم الدول ـوعلى رأسها تركيا التي تحلم بالخلافةـ أقامت لللاجئين العرب الذين نزحوا إليها بعد الثورات العربية مخيمات بالية لا تقي من حر ولا تحمي من قر ومراكز إيواء غير آدمية في مناطق معزولة محاطة بأسوار شائكة تحت حراسة أمنية مشددة واعتمدت على اعاشتهم على ما تتلقاه من معونات من المنظمات والهيئات الدولية ذات الصلة .
أما إذا أردنا أن نلقي الضوء على أحوال اللاجئين ـوخصوصا العربـ في مصر فحدث ولا حرج حيث اندمجوا في المجتمع المصري بسرعة فائقة وذابوا بين أبنائه وأصبحوا جزءا لا يتجزأ من كيانه بعدما قدمت لهم الدولة من الخدمات الأساسية ما ييسر إقامتهم ويحفظ كرامتهم حيث وفرت لهم رعاية صحية وتعليمية شبه مجانية وسمحت لهم بتملك الشقق السكنية والمكاتب الإدارية والمحال التجارية في القاهرة وكافة المحافظات الأخرى وقدمت لهم التسهيلات اللازمة لإقامة المشاريع التجارية والصناعية الخاصة فحققوا من ورائها أرباحا طائلة واجمالا أحاطتهم الدولة برعاية فاقت أحلامهم ولم تفرض عليهم رسوما على الإقامة إلا منذ فترة وجيزة .
وهكذا كما نرى كان أولى بمن يعامل مثل هذه المعاملة الانسانية النادرة ... أن يكون على قدر كبير من الانضباط والمسئولية ... لكن للأسف الشديد كالعادة لا تجني مصر من أمتها العربية سوى الخزلان والجحود والنكران والخيانة ... حيث تورط بعض اللاجئين العرب خلال الفترة الماضية في عدد من الجرائم المختلفة ... جعلت الدولة تعيد النظر مرة أخرى في الإجراءات القانونية المتبعة في التعامل مع اللاجئين الأجانب بصفة عامة .
فكان لزاما على الدولة في ظل هذه الظروف العصيبة أن تحمي مصالحها العليا وتحافظ على أمنها واستقرار مجتمعها تحت شعار لا مكان بيننا للخونة .... حيث أصدرت خلال الأيام القليلة الماضية قرارا ـتأخر صدوره كثيرا لكن أن يصدر هذا القرار الهام متأخرا خيرا من ألا يصدر أبداـ بترحيل اللاجئين الأجانب المقيمين على الأراضي المصرية بصورة غير قانونية والخارجين عن القانون بصفة عامة فورا دون رجعة .
جاء صدور هذا القرار بعد انتشار بعض المظاهر السلبية الناتجة عن وجود اللاجئين العرب بأعداد ضخمة تجاوزت 12 مليون نسمة مثل رفع الايجارات وتفشي البطالة في أوساط الشباب وغلاء المعيشة وارتفاع معدلات الجريمة خصوصا الجرائم المنظمة التي تهدد الأمن القومي مثل تهريب الأموال للخارج وتزوير العملات الأجنبية وغسيل الأموال والارتباط بالجماعة الإرهابية المنحلة لذلك تتعامل الأجهزة المختصة الآن مع هذه العناصر المخربة بمنتهى الحزم والشدة وفقا للقانون وبما يتناسب مع مكانة الدولة ويحمي مصالحها ويحافظ على هيبتها .
المؤسف حقا أن يرتكب هذه الجرائم بعض اللاجئين المنتسبين لهذه الأمة في دولة تتعرض لمؤامرة كونية دنيئة في ظل ظروف اقتصادية صعبة وضغوط سياسية غير مسبوقة .. لكن المصريين الذين يعرفون معنى التضحية وقدموا أروع صور المقاومة عبر التاريخ رغم الأزمات المتتالية صامدون كالجبال الراسية خلف قيادتهم السياسية التي رفضت رفضا قاطعا أية حلول على حساب القضية الفلسطينية وتحملت في سبيل ذلك المخاطر والدسائس والمكائد وهي ماضية بقوة في طريق البناء والتطوير والتنمية المستدامة واستقلال الإرادة الوطنية .