د. على عزيز أمين يكتب : بعد 42 عاماً على صبرا وشاتيلا جريمة الإبادة تطال كل لبنان
الجارديان المصريةسواء اعترف "الكيان" المجرم بما اقترفه من جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان بحق المدنيين الأبرياء من عموم الشعب اللبناني أم لاذ بالصمت وتحصنت قياداته في قبو وزارة دفاعه بتل أبيب كجرذان "الطاعون" في دهاليز الصرف الصحي النتنة.. وسواء تنصّلت واشنطن ولندن وباريس وبرلين وغيرها من عواصم الغرب الاستعماري الراعي الحصري للصهيونية العالمية وكيانها المتوحّش من المشاركة أو حتى المعرفة المسبقة بما اقترفه من جريمة إبادة ما يمكن إبادته من مدنيي الشعب اللبناني.. فإن ما حدث تشير بوصلته إليهم على حدّ سواء، فهم كانوا شركاء في الماضي، ولا يزالون شركاء، ومصرّين على المضي مستقبلاً في هذه الشراكة الإجرامية، وكل وقائع التاريخ المعاصر تشهد على ذلك، وتدينهم رغم كل التبريرات والأكاذيب والمسوّغات.. وربما صدق نتنياهو، وهو من الكاذبين، بل وصدّقه رعاته بان "الكيان" يتعرض لخطر وجودي، ومنذ "طوفان الأقصى" وهو يحاول استدراج الغرب الاستعماري ومَن يدور بفلكه لخوض حربه بالنيابة عن "الكيان المقدس" وجيشه المتوحّش الذي يتفنن في قتل المدنيين الأبرياء ولا يُقاتل كما تُدلّل وقائع ما يزيد عن 11 شهراً مضت. وهو الذي واصل طيلة الأسبوعين الماضيين الجهر علناً وعلى لسان مختلف كبار قادته العسكريين والأمنيين بنيّته المبيّتة باستهداف الشعب اللبناني لتحريضه ودفعه للانفضاض عن مقاومته طوعاً أو كرهاً، وإثارة ما أمكن من فتن بين مختلف مكوّنات الشعب اللبناني، واستباحة سيادته الوطنية بالدخول برّاً وفرض منطقة عازلة بالقوة، وذلك مع جولة الضابط الإسرائيلي السابق في سلاح المدرّعات "هوكشتاين"، والذي سيعقبه وزير الدفاع الأمريكي وكبار قادته العسكريين والأمنيين، وربما يهرع كبار قادة الغرب الاستعماري ذاتهم كما هرعوا بعد "طوفان الأقصى"، لمباركة جرائمه والتخفيف ما أمكن من ردود الفعل المشروعة على جرائمه، وهذا ديدنهم منذ تجسيد مشروعهم وزرعه "غدة سرطانية" فتّاكة في المنطقة العربية والشرق أوسطية.
وما أشبه اليوم بالأمس، تأتي هذه الجريمة الإضافية اليوم في ذكرى مرور 42 عاماً على مجزرة صبرا وشاتيلا البشعة، التي خطط لها وأدارها أستاذ نتنياهو السفاح شارون، والذي أدانته التحقيقات الإسرائيلية المنحازة نفسها من خلال ما عُرف باسم "لجنة كاهان" التي حمّلته المسؤولية المباشرة عن المذبحة التي راح ضحيّتها أكثر من 3500 مدني فلسطيني ولبناني، واستمرت طيلة ثلاثة أيام بلياليها 16-17- 18/9/1982، استخدمت فيها كافة أدوات القتل من قبل ميليشيات تأتمر بأوامر وتعليمات جيش الاحتلال الغاشم حينها بقيادة وتوجيهات وتسهيلات من المجرم التاريخي شارون الذي لم يُحاكم رغم ثبوت التهم عليه وإدانته من المحكمة العليا الإسرائيلية ذاتها، بل اضطر للاستقالة وبقي وزيراً بلا حقيبة في مجلس الوزراء، ثم تمّ انتخابه بعد ذلك رئيساً للحكومة ليواصل جرائمه التي يعتاش عليها وبها تجمّع "الكيان" النازي. وما زالت العدالة الدولية بشتى مسمّياتها لم تنصف الضحايا أو تقتص من المجرمين.
ولعل ما يمكن استخلاصه من مجزرة صبرا وشاتيلا وكذلك ما تعرض له الشعب اللبناني، يتلخّص في جملة من الاستخلاصات الضرورية، لعلّ أهمها استحالة التعايش مع هذا "الكيان" النازي أو التطبيع معه أو حتى قبوله في المنطقة مهما حاول صانعيه إطالة عمره المنتهي الصلاحية منذ أمد بعيد، وعلى من يكابر في إدراك هذه الحقيقة الدامغة أن يتحسس رأسه ولا يرهن مصيره بمصير هذا "الطاعون" المشبّع بالحقد والغدر ليس تجاه الفلسطينيين والعرب والمسلمين بل والبشرية جمعاء، وهو ما تؤكّده كل أفعاله وباتت تدركه مختلف شعوب وأحرار العالم في شتى قارّاته. كما أن التعويل على انفضاض الغرب الاستعماري بزعامة واشنطن وبغض النظر عن حزبها الحاكم عن دعم مشروعها حتى الرمق الأخير هو ضرب من الوهم. مثلما أن القبول بلعب واشنطن دور الوسيط النزيه والعادل وهي الشريك الأصيل في كافة جرائم الاحتلال المجرم هو كمَن يقبل رعاية "الذئب" للماشية، وكما نقل عن الرئيس المصري حسني مبارك قوله بعد خدمة 34 عاماً: "المتغطّي بالأمريكان عريان". وهذا ما حصل لأبرياء صبرا وشاتيلا عندما تم الوثوق بوعود وتعهّدات المبعوث الأمريكي "فيليب حبيب" للقيادتين الفلسطينية واللبنانية عشية مغادرة مقاتلي الثورة الفلسطينية بيروت المحاصرة عام 1982.
لقد أكدت مختلف محطّات الصراع المتواصل مع هذا "الكيان" أنه كما يقال بالعامّية المصرية الأصيلة "يخاف ولا يختشي"، وأنه لا يفهم غير لغة القوة، وأن العالم كي ينعم بالأمن والسلام لا بدّ له من استئصال هذا "الطاعون" كلّياً، أما العرب والمسلمين المستهدفين شاءوا أم أبوا لا بدّ لهم من القضاء المبرم على هذه "الغدّة السرطانية" الفتّاكة التي تحاول الانتشار والتوسّع للإجهاز على الجسد العربي والإسلامي بكامله بعد أن تفرغ من الشعب الفلسطيني المقاوم وبقية ساحات المقاومة الأبيّة، وذلك قبل أن يستفحل بجسدهم هذا المرض الخبيث.