الخميس 10 أكتوبر 2024 11:57 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

دكتور بهاء درويش يكتب : معيار النجاح في الحياة (٤) هل نكتفي بالقوانين؟

دكتور بهاء درويش
دكتور بهاء درويش

قد يبادرني متساؤل: لم ترهقون أنفسكم أيها الفلاسفة بتنظير مباديء أخلاقية وقيم رفيعة على الناس والمجتمعات اتباعها، وترفقون معها تبريرات لهذه القيم وتلك المباديء؟ لدى كل مجتمع أو دولة قوانين حاكمة ومنظمة ورادعة تنظم المجتمع وأفراده وتردع المخالف. ما حاجتكم- إذاً- لهذا التنظير؟ أرد وأقول: أبداً، هذا ليس صحيحاً. ما كان القانون يوماً ما كافياً لتنظيم شئون الناس في مجتمعاتهم. فمخالفات القوانين في كل المجتمعات كثيرة ومتنوعة والسلطة التنفيذية والقضائية تعمل ليل نهار بسبب مخالفات القوانين. يمكن سرد أسباب كثيرة لعدم كفاية القوانين كأداة لتنظيم شئون المجتمعات. نسرد منها على سبيل المثال ما يلي: السبب الأول هو عدم القناعة أحياناً من قبل البعض بقانون معين وهو ما يؤدي إلى أن يلتف الناس حوله ويفعلون أموراً تخالفه، لا حباً في العصيان ولا انطلاقاً من طبيعة شريرة ولكن لعدم قناعتهم به. السبب الثاني إحساس البعض - سواء أكان إحساساً صادقا أو خاطئاً- بالظلم وبأن الطرق الشرعية للعدالة لا تكفي لرفع الظلم عنه فيلجأ لرفع الظلم عن نفسه بطرقه الخاصة وهي غالباً مخالفة القوانين. الأمر الثالث أن القوانين تصاغ انطلاقاً من مبدأ " مذنبون أحرار في المجتمع أقل ضرراً من بريء وراء القضبان" وهو ما يتيح الفرصة للأسف للكثيرين من الهروب من طائلة القانون لعدم إمكانية إثبات الإدانة. لهذه الأسباب (ولسبب آخر سنذكره أيضاً) تحتاج الأفراد والمجتمعات لغرس القيم الأخلاقية في نفوس الناس لكي تقف عاملاً مساعداً إلى جانب القوانين في تنظيم سلوك أفراد المجتمع. تحتاج المجتمعات - اذاً- لغرس القيم والأخلاقيات في نفوس الناس لعدم كفاية القوانين كأداة تنظم السلوكيات داخل المجتمع، ولإقناع الناس بأهمية القيم الأخلاقية وبضرورة اتباعها. هذا الأمر الأخير سيسهل مسألة طاعة الناس للقوانين وتسهيل عملية إنفاذها، ذلك أن القوانين التي يرى الناس أنها قد تكفي لتنظيم وضبط سلوك الناس هي ذاتها يجب أن تتأسس على قيم ومبادئ أخلاقية. فمتى قامت الفلسفة بدورها في تأسيس القيم والمبادئ الأخلاقية وتبرير جدواها وكفايتها وبالتالي إقناع الناس بها وبأنها ما يجب أن تتأسس عليها القوانين، سهّل هذا الإقناع طاعة الناس للقوانين