الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم يكتب : لعل القراءة تكون عوضا عن الدعوة ؟!
![الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم](https://www.alguardian.com/img/24/12/10/90477.jpg)
![](https://www.alguardian.com/ix/GfX/logo.png)
أشرف بمعرفة الأستاذ الدكتور حمدي سعد عميد كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بطنطا وأتشرف بالجلوس الفكري معه ، إذ أنني عضو بالمنظمة العالمية لخريجي الأزهر فرع الغربية وهو نائب رئيس الفرع ، ويتيح لي هذا الموقع أن أستمع إلي حواراته واطروحاته وآرائه ، فأدون خلاصتها للإستفادة منها ، وعندما أعلنت كلية الشريعة والقانون بطنطا عن تنظيم ندوة بالتعاون مع جامعة طنطا والكنيسة الإنجيلية بطنطا ...تحت عنوان التحصين الفكري ودوره في البناء الإنساني .
أعددت ورقة تحسباً أن يدعوني معالي العميد لتقديم الندوة ، ونظراً لعدم دعوتي. فإني أجد الفرصة سانحة لعرضها علي مساحة أعرض وجمهور أكثر ولربما يكون ذلك عوضا عن ذاك !؟ فهل تقرأوها ؟
كنت أود أن أشيد بموضوع الندوة نظرا للحرب الفكرية التي تصوب تجاه القيم بشراسة و تستخدم فيها الأسلحة والمعدات الثقيلة، عبر الأجهزة الحديثة والاتصالات العابرة للحدود من وسائل التكنولوجيا والتواصل الحديثة والمتطورة التي تسهم في إيصال المعلومات إلى عقول الناس في لحظات وثوانٍ معدودة في مشارق الأرض ومغاربها، ومن خلالها استطاع الكثير ممن يحملون الأفكار المتطرفة السيطرة على بعض العقول عن طريق غسلها بالمعلومات المغلوطة، وأصبح من السهل إقناع البعض بها حتى يصبحوا منقادين لكل خلق رديء، وفعل وضيع.
من هنا تأتي أهمية تلك الندوة لتزيد عند الفرد الحصانة الذاتية التي يستطيع من خلالها تمييز الطيب من الخبيث، والنافع من الضار، وبذلك تتحقق له الوقاية من الأفكار المظلمة ويصون ذاته عن كل ما يكدرها.
ومع سعادتي بهذه الندوة كنت سا أطرح علي الحضور سؤالاً أراه جوهريا ، كنت سا أقول لهم : أنا أفهم أن التحصين من شيء يكون قبل قوعه. أو حتي قبل استفحاله . أما أن يكون التحصين بعد استفحال الخطر وتحكم العلة وسيطرة الداء ، فهل ميعاد الندوة يتناسب مع حجم وعمق المشكلة الموجودة منذ فترة علي مسرح الأحداث ؟
الحقيقة أن عنوان الندوة شطرني فكريا شطرين . أأكون مع القائلين لا خير في الفكرة بعد أوانها ، ولا قيمة لرأي لا يعالج المشكلة في إبانها ، أم أكون مع القائلين: مالا يدرج كله لايترك كله؟؟
الحقيقة أنا أميل إلي الفريق الثاني القائل: مالا يدرج كله لايترك كله !!
كنت سأستغلها فرصة ثمينة لأطالب المجتمع العلمي والدعوي بتبني مبادرة إسمها مستوحي من إسم الندوة (الحصانة الفكرية) تقوم علي تنظيم أولويات التفكير وضبط تبادل المعلومات ) لأن الفرد يسير في حياته وفق نتاج تفكيره، وما نراه اليوم من مشكلات سببها الرئيس خلل في الأولويات ، وما لم ينظم الإنسان تفكيره فلن يصل إلى ما يريد !؟
كنت سا ألفت نظر القائمين علي المنصات الدعوية والإعلامية أن يسترشدوا في مجابهتم لتلك الحرب الشرسة بالهدي النبوي في تحصين الأمة الإسلامية في بكورة إنشائها من الأفكار الهدامة الداخلية والخارجية علي سواء .
فمن الأولويات الملحة التي التفت إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم( التفكير السليم) حتي إنه حذر المجتمع في أكثر من قول وموقع من الآثار السلبية التي تنتج من عدم التفكير السليم.
فعمد أولاً: الي الحض على العلم وذم الجهل، أو التخلف ، باعتبارهما أهم عوائق التفكير السليم، قَالَ عليه الصلاة والسلام : (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)، وعندما سئل عن أفضل الناس ؟ فإنه صلي الله عليه وسلم ربط الأفضلية بالفقه الذي هو العلم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: (أَتْقَاهُمْ). فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: (فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ، ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ) قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: (فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِ؟ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ، إِذَا فَقُهُوا) !؟
وقد حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من الركون إلى الجهل والتخلف، فعد رفع العلم وفشو الجهل من أشراط الساعة، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ، ....!؟
ومن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في تحصين المسلم
ذمه للتقليد الأعمى ، لأن التقليد الأعمى هو ذلك التقليد الذي يلغي ويعطل فيه الإنسان تفكيره، ويركن إلى تفكير غيره وبذلك فهو يعيق عملية التفكير وقد عاب القرآن الكريم على المقلدين تقليداً أعمى بأنهم برروا ضلالهم بعبادتهم لغير الله بقولهم:(قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ). [ ٥٣: الأنبياء]
هؤلاء كانت حجتهم صنيع آبائهم، ولهذا قيل لهم : (... لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)[٥٤ : الأنبياء].
ثم عاب القرآن عليهم قولهم: (قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)[٧٤: الشعراء] ، وبقولهم (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ) [ ٢٢: الزخرف] .
ثم كانت القاعدة العامة لتبرير البشر لانحراف من انحرف منهم عن الجادة (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) [٢٣: الزخرف].
لذا حذر الرسول من الإمعية: والإمعية وصف يختلف عن التقليد الأعمى، حيث يتابع الإمعي مراكز القوى ويميل حيث تميل الريح، ولذلك جاء تحذير المصطفى صلى الله عليه وسلم من هذه الحالة، فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلاَ تَظْلِمُوا"
ومن هديه صلي الله عليه وسلم أيضا في بناء مشروع التحصين النهي عن العصبية: باعتبارها عائقا لا يستهان به من عوائق التفكير السليم، إذ يصوب الإنسان المتعصب ما تذهب إليه جماعته ولو كان بائن الخطأ؛ لأنهم فريقه ، ويخطئ ما يراه غير قومه؛ لأنهم ليسوا اهله، وقد وقف النبي من العصبية موقفاً حازماً، ولم يتهاون في هذا الأمر، وهدد الذين يتعصبون وتوعدهم ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِىٌّ وَفَاجِرٌ شَقِىٌّ أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلاَنِ الَّتِى تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتْنَ.
ثم عد العصبية من أمر الجاهلية، فعن أبي مَالِكٍ الأَشْعَرِىَّ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَرْبَعٌ فِى أُمَّتِى مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ الْفَخْرُ فِى الأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِى الأَنْسَابِ وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ، ثم أوصل الأمر صلى الله عليه وسلم إلى المفاضلة بين الإسلام والكفر، حيث نفى صلى الله عليه وسلم –على سبيل التهديد والوعيد-أن يكون الداعي إلى عصبية من غير المسلمين، فعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ".
لذا نبذ صلي الله عليه وسلم الفرقة. لأنها من عوائق التفكير السليم ، لذلك أمر الإسلام بالوحدة ، فالوحدة تشكل حصنا منيعا أمام الغزو الفكري .
فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَرَى الْمُؤْمِنِينَ: فِى تَرَاحُمِهِمْ، وتَوَادِّهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ، كمَثَل الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْو، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِه بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (الشَّيْطَانُ يَهُمُّ بِالْوَاحِدِ وَالْاثْنَيْنِ فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً لَمْ يَهُمَّ بِهِم).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي هَذِهِ فَحَمَلَهَا فَرُبَّ حَامِلِ الْفِقْهِ فِيهِ غَيْرُ فَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ الْفِقْهِ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ صَدْرُ مُسْلِمٍ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ عز وجل وَمُنَاصَحَةُ أُولِي الْأَمْرِ وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ
من خلال هذين الحديثين وغيرهما من الأحاديث الواردة في موضوع وحدة الأمة، ندرك مدى اهتمام السنة المطهرة بوحدة الأمة؛ حتي نصل بالوحدة إلى ما نريد من عزة ومن تفوق مادي ومعنوي، ولقد سلكت السنة المطهرة سبيل التخويف من الفرقة للوصول إلى الوحدة حيث بينت أن الشيطان أقرب إلى الواحد ويهم بالاثنين أما إذا كانوا ثلاثة فلا يهم بهم، ثم بينت أن لزوم جماعة المسلمين من الأمور التي يجب أن لا تفارق القلوب، والمتأمل في العبادات التي يقوم بها المسلم يلحظ أنها تنمي روح العمل الجماعي، فكثير منها عبادات جماعية، ولله در الشيخ الغزالي وهو يقول : (تقوم شرائع الإسلام وآدابه على اعتبار الفرد جزءاً لا ينفصم من كيان الأمة، وعضوا موصولاً بجسمها لا ينفك عنها...فإذا وقف المسلم بين يدي الله ليناجيه ويتضرع إليه لم تجر العبادة على لسانه كعبد منفصل عن إخوانه، بل كطرف من مجموع متسق مرتبط يقول:(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)
[5: الفاتحة] لا إياك أعبد وإياك أستعين، إن إتلاف القلوب والمشاعر، واتحاد الغايات والمناهج، من أوضح تعاليم الإسلام وألزم خلال المسلمين المخلصين، ولا ريب أن توحيد الصفوف واجتماع الكلمة هما الدعامة الوطيدة لبقاء الأمة، ودوام دولتها، ونجاح رسالتها .
ومن هديه صلي الله عليه وسلم في التحصين الفكري للأمة ذمه للابتداع ، فخطورة الابتداع تكمن في أنه يوصل المسلمين إلى الفرقة في الدين؛ لذا جاءت السنة النبوية بجملة من الأحاديث التي ترفض الابتداع في الدين، فعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ".
ولم يقتصر الأمر على هذا الحد بل جاوزه إلى بيان خطورة إيواء المحدثين، فعن عَامِر بْنُ وَاثِلَةَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ مَا كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: فَغَضِبَ. وَقَالَ: مَا كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ إِلَىَّ شَيْئاً يَكْتُمُهُ النَّاسَ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ حَدَّثَنِى بِكَلِمَاتٍ أَرْبَعٍ. قَالَ: فَقَالَ: مَا هُنَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: قَالَ: "لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثاً وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ ،
واختتمت ورقتي بمطالبة من يصلهم خطابي ، بأن تعمل كل وسائل الدولة تعليمية كانت ، أو دعوية ، أو إعلامية أو اجتماعية أن تتكاتف وتتكامل جهودهم في بناء تلك الحصانة الفكرية باعتبارها الضامن الذي تتحطم عليه معاول هدم المجتمع فكريا .
اذا كانت الندوة ضنت علي بالمشاركة فأنا أشكر حضراتكم علي كريم قراءتكم لما كنت انتوي قوله . ولعل قراءتكم تكون عوضا عن الدعوة .أن لم تزد ؟!