الخميس 13 فبراير 2025 03:35 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

اد. عادل القليعي يكتب : ما زاغ البصر وما طغى. ”بصر... وبصيرة”

اد. عادل القليعي
اد. عادل القليعي

.

عندما يحضرنا الحديث عن الإسراء والمعراج ، نشعر بحالة من السعادة الروحية والطمأنينة القلبية ، ليس هذا وحسب ، بل وهدوء واستقرار للعقول المؤمنة بقدرة الخالق العظيم ، المصدقة بمعجزة النبي محمد صل الله عليه وسلم ، أما ما دونها من مشككين طاعنين ركنوا إلى عقولهم الخربة ، فنقول لهم قفوا عند منتهاكم فلن تجدي محاولاتكم المأجورة من زعزعة الإيمان فى قلوب المؤمنين بل كل ترهاتكم وخزعبلاتكم ستزيدهم إيمانا وتسليما.
فأبدا تحن إليكم الأرواح** ووصالكم ريحانها والراح.

فيا رب الإسراء والمعراج ، خلص المسجد الأقصى أولى القبلتين وثاني الحرمين من أيدي هذه العصابة المغتصبة ، خلصه وارزق كل مشتاق إلى زيارته ووفق المرابطين المجاهدين في كفاحهم ضدهم.

يقول الله تعالي :(سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير).
فسبحان الذي جعل الإسراء والمعراج معجزة خالدة باقية إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.

سبحانك تنزيها لك وحدك وإفرادا لك بالعبودية وإقرارا بوحدانيتك وصمديتك ، يا واحدا ليس له ثان ،يا أولا بلا ابتداء وآخرا بلا انتهاء سبحانك تفضلت على إبراهيم عليه السلام فجعلته أمةقانتا لك وحدك شاكرا لأنعمك .

فمننت على حبيبك محمد صل الله عليه وسلم أنه بني أمة أسسها علي طاعتك وتقواك.
والذي يبني أمة ويقودها ويخرجها من الظلمات إلى النور حقيق علينا أن نقول عنه أنه أمة.

سبحان الذي أسرى بعبده سرى به بليل روحا وجسدا، لماذا؟!، لأن العبد جمع بين روح وجسد حتى لا يتنطع المتنطعون ولا يتطاول المتطاولون على ديننا وعلى قرآننا وعلى نبينا.
نقطع القول ونقول قولا واحدا سرى روحا وجسدا لماذا؟! .

لأنه ليس ثم أصدق حديثا ولا أصدق قيلا إلا قول الله تعالي ، والله قال ذلك وليس لنا إلا أن نقول سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.
من المسجد الحرام بيت الله الحرام الذي من يدخله فهو آمن لأنه في معية الله تعالي.

إلى المسجد الأقصى، آه يا أقصانا آه، دنسك الطواغيت ووطأت أقدامهم النجسة ساحاتك المباركة، آه يا أقصانا خذلك المتخاذلون، صبرا صبرا فإن الله منجز وعده وبالغ أمره قد جعل لكل شيئ قدرا.

حتما سنعود وأمتنا ستعود وستفيق من سباتها العميق، وستطهر ساحاتك وباحاتك من حفدة القردة والخنازير، وسيرفع فيك الآذان من جديد.(ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا).
(فاصبر صبرا جميلا، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا).

أمتنا الإسلامية التي وثق عراها قائدها الأعظم محمد صل الله عليه وسلم وسار علي نهجه أئمة مهديين، حفظوا بيضتها من تهكم المتهكمون وسفه السفهاء، ستعود وسيولد من جديد من يحمل لواءها ويرفعه في كل أرجاء الدنيا.

وها هم لاحت فى الآفاق بشائرهم ، لا يزالون ظاهرين على عدوهم لا يضرهم من خذلهم.
هل علمتم أن مخاضا عسرا سيستمر لابد من فرج قريب وهذا وعد الله.(إنما توعدون لآت،وما أنتم بمعجزين)

رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم، لاقى مالاقاه من إيذاء مشركي قريش، ولم يأن ولم يمل ولم يكل، وضعوا القاذورات علي ظهره وهو يصلي ، شتم وضرب وسب وقذف بأبشع السباب والشتائم، ولايزال السفهاء يسبون ويقذفون، ويقتلون وينتهكون الأعراض ، ونحن ندين ونشجب بعبارات الشجب وعبارات فداك روحي فداك أبي وأمي يا رسول الله، رسول الله خط أحمر وماذا بعد.

هل أوقفتهم هذه العبارات، لا والله بل ازدادوا طغيانا على طغيانهم، بل وشنت الحروب النفسية علي الجاليات المسلمة في هذه البلاد وحورب الحجاب، بل وزاد التحرش بالمسلمات، بل واقتحمت المساجد وضرب المصلون بالنيران، أي عنصرية هذه يا من تتشدقون بشعارات الحريات، يا من ترفعون شعارات المدنية الحديثة، حقوق المواطنة، هل مدنيتكم الحديثة تدعو إلي سفك الدماء، عدم احترام الآخر.يا لها من شعارات جوفاء.
ونحن في سبات عميق في ليل بهيم أما آن أوان إشراق جديد.

سار رسول اللّه في طريق دعوته المباركة لم يثنيه شئ من هذه الشناعات، وذهب إلي الطائف يدعو إلى الله يدعو إلي دين الله الأعز الأكرم، استهزأوا به، سلطوا عليه غلمانهم وصبيانهم وسفهائهم ورموه بالحجارة حتي تورمت قدماه الشريفتين وسال الدم منهما، وجلس يستظل بظل حائط، وبكي المعصوم لامن شدة الألم والأذي الذي تعرض له وإنما حزنا على دعوته المباركة وخوفا من الله أن يكون قد قصر فى الدعوة.

نظر إلي السماء وقال قولته المشهورة التي خلدها التاريخ، واهتز لها عرش الرحمن وأن منها كل أهل السموات والأرض .
اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني علي الناس، يا أرحم الراحمين إلى من تكلني، إلى قريب ملكته أمري أم إلى بعيد يتجهمني، غير أن عافيتك أوسع لي.
يا أرحم الراحمين إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي.
لك العتبي حتي ترضي ولا حول ولا قوة الا بالله.
مناجاة تقشعر منها الأبدان وتلين لها القلوب وتخر لها الجبال الراسيات.

يا الله يا لا دموعك يا حبيبي يارسول الله التي أحرقت فؤادي، لزوال الدنيا كلها ولا دمعة من دموعك يا قرة العيون ودواء القلوب.
على الفور تتزلزل الجبال ويهتز عرش الرحمن وتأن الملائكة لأنين الأمين ويأمر الله ملك الجبال بالنزول، ويأتي إلي الحبيب ويقول أمرني ربي أن أطبق عليهم الأخشبين إن شئت لفعلت فورا.

أنظروا أيدكم الله بروح منه وأمدكم بمدد منه، أنظروا إلي الرؤوف الرحيم، انظروا إلي السراج المنير، انظروا ماذا قال الرحمة المهداة والنعمة المسداة لا يا أخي يا ملك الجبال لعل الله يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله، اللهم أهدي قومي فإنهم لا يعلمون، واستجاب الله وخرج من أصلاب طواغيت الكفر رجال نصروا الدين خرج خالد، وخرج عمرو وخرج عكرمة، رضى الله عنهم أجمعين.

ويعود المعصوم إلي مكة وينام في فراشه بعد أن داواه المداوي بدواء من عنده وأخبره أنك يا محمد بأعيننا فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا.
ويخلد إلي النوم يتجافي جنبيه عن المضاجع ذاكرا حامدا شاكرا لأنعم الله تعالى عليه وإذ في هدأة الليل والكون نيام تأتي الدعوة المباركة من الله الحي القيوم الذي لايغفل ولاينام.فاستعد يا حبيبي لللقاء، وأي استعداد وأي لقاء.

فأتته المسرة والبشارة من العلي القدير، السميع البصير، أنك يا محمد سوف يعطيك ربك فترضى وأي تكريم بعد هذا التكريم، وأي حب بعد هذا الحب، ينام النبي صل الله عليه وسلم، ويأتيه جبريل الأمين وييقظه هامسا في أذنه، قم يا حبيبي يا محمد للقاء رب السماء والأرض، رب المشارق والمغارب، أنت مدعو دعوة موقعة من الواحد القهار، الرؤوف الرحيم، ويسعد النبي سعادة ليس بعدها سعادة وتغرورق عيناه بالدموع .

ويمتطيا البراق الذي هو كالدآبة التي هى ما فوق البغل ودون الحمار، لها جناحين أحدهما فى المشرق والآخر فى المغرب، وسرجها من نور وقائدها آمين السماء، وفي طريقهما يمرا علي مكان تنبعث منه رائحة أطيب من ريح المسك، فيسأل النبي جبريل، ما هذه الرائحة العطرة، فيرد الأمين هى رائحة مقبرة ماشطة ابنة فرعون التي وقع منها الماشط فألتقطته قائلة بسم الله، وتقول الفتاة تقصدين أبي، فترد رد الواثقة بالله، الله الرحمن الرحيم ربك ورب أبيك فرعون، ويوقدوا لها قدرا يغلي ويلقوا بأبنائها واحدا تلو الآخر،. لا يزعزعها عن قول هو الله الواحد الأحد، لا يزعزعها شيئ عن قول الحق، وإذ بطفلها الرضيع يستعدوا ليلقوه فى القدر فيتحرك فؤادها على فلذة كبدها الرضيع، ويناديها اثبتي يا أمي نحن على الحق المبين، من انطقك يا بني، انطقني الذي سواي فعدلني انطقي الحي الذي لايموت، فتعود إلي صوابها ويلقوها في القدر.
أي ثبات بعد هذا الثبات، أي صبر بعد هذا الصبر على الطاعة، على التوحيد.

ويصلا الركب المبارك إلى مسرى النبي، بيت المقدس، ويجتمع الأنبياء جميعهم ويصلي بهم النبي صلّ الله عليه وسلم ركعتين، ويصافحهم وهم له عارفون، وهم له مقدرون، ويتركهم وينطلق الركب من قبة الصخرة إلى السماء الأولى التي تزينت، من بالباب جبريل ومعي محمد رسول الله، تفتح سماء تلو سماء وفي كل سماء ملائكة يسلمون ويهللون بقدوم خير وافد وخير مدعو، وفي كل سماء يسلم المعصوم علي كل نبي ورسول، فيري إبراهيم خليل الله، ويري موسي كليم الله، ويري عيسي روح الله وكلمته ألقاها إلي مريم، ويري زكريا ويحيى، وادريس واليسع وذا الكفل، وكل هؤلاء يخففون عن النبي صل الله عليه وسلم.

ويري النبي من آيات ربه الكبري (لقد رأى من آيات ربه الكبري)، فيري الجنة ونعيمها، ويقدم له جبريل كأسان أحدهما به خمر، والآخر به لبن، ويشرب النبي اللبن، فيقول جبريل لقد اختارت أمتك الفطرة النقية، ولو أخترت الخمر لغوت الأمة.

إلي أن وصل الحبيب إلي سدرة المنتهي وهنا يقترقا، فيقول النبي لجبريل هاهنا يترك الحبيب حبيبه، ويرد جبريل وما منا إلا وله مقام معلوم لو تقدمت خطوة لاحترقت من سبوحات نور جلال الله تعالى، أما أنت لو تقدمت لاخترقت، فتقدم النبي ووطأت قدماه بساط العرش وزج النور في النور، وانطقه الله تعالى، التحيات لله والطيبات لله والصلوات لله، ويسمع النبي صوت الذات الإلهية والحضرة النورانية، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ويرد المعلم الأكبر الذي لا ينسانا أبدا فيقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

ويفرض الله الصلاة على الأمة المباركة فيفرضها خمسين صلاة في اليوم والليلة ويراجعه موسي عليه السلام يا محمد أمتك ضعيفة لا تطيق، ارجع إلى ربك فسأله التخفيف، وما بين ذهابا وإيابا بين الله تعالى وبين موسي، إلا أن النبي استحي من الله فى المرة الأخيرة، فقال الله هي خمس في العمل،خمسون في الأجر، (ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد)

ويعود النبي إلي فراشه فيجده لا يزال دافئا.
ويستيقظ في الصباح ويقف في الوادي في صحن الكعبة ويجمع الناس، ويقول لهم أجمعكم لأمر مهم، قالوا باستهزاء هل أوحي إليك شيئ قال لا وإنما لو قلت لكم هل ستصدقونني قالوا اسمعنا، فيقول أسري بي بليل إلى المسجد الأقصي وعرج بي إلى السموات، قال في ليلة واحدة وسفهه عمه أبو لهب، بل ويقول له تبا لك ألذلك جمعتنا وينزل قوله تعالى(تبت يدا أبي لهب وتب)، رحلة نقطعها في شهر ذهابا وآخر إيابا، وتقطعها في ليلة، ويقولوا صف لنا بيت المقدس فينقل الله صورته كاملة ويصفه رواقا روقا وبابا بابا، ويقول لهم لقد رأيت قافلتكم وهي الآن قد اقتربت من الوصول إلي مكة.

ويذهبوا إلي أبي بكر تعالي انظر واسمع ما يقوله صاحبك، يقول إنه أسرى به، فيرد رد الواثق بالله أصدقه في خبر يأتيه من السماء فكيف لا أصدقه في ما يقول، وذهب إلى النبي قائلاً له هل قلت ذلك ياحبيبي فيرد النبي نعم قلت، إذن فقد صدقت، وسماه النبي صل الله عليه وسلم بالصديق.

وانصرف القوم عنهما، واستمر النبي في دعوته لا يثنيه شيئ، بعد رحلة نورانية تسلية للنبي صل الله عليه وسلم وتسرية وتطبيب لنفسه بعد ما لاقاه في هذا العام الذي أطلق عليه عام الحزن بعد موت خديجه رضى الله عنها وموت عمه حصانته وحمايته، واضطهاد القوم له، استمر في دعوته إلي أن أظهرها الله تعالي وصدق وعده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، وانتشر دين الله الخاتم،( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)

لكن ما الدروس والعبر المستفادة من هذه الرحلة المباركة
الدرس الأول وحدانية الله تعالى وتنزيهه وأن لا إله إلا هو تنزيهه عن كل أمور المحدثات في قوله تعالي (سبحان).

الدرس الثاني، إقرار العبودية لله تعالي، وأنه ليس ثم معبود بحق إلا الله تعالى وذلك في قوله تعالي (بعبده)فلا عبودية إلا لله تعالى فلا عبودية لبقر ولا لحجر ولا لشجر ولا لإنسان فكل هؤلاء مخلوقات لعلة وسبب واحد هو الله تعالي.

الدرس الثالث، الصبر على الدعوة والجهاد في سبيل الله تعالى وهذا ما فعله النبي صل الله عليه وسلم، ولكل إنسان دعوة فهناك من يدعو إلي العلم والجد والاجتهاد في طلبه والمثابرة والكفاح بل ولا يمل الإنسان في طلبه أبدا.
وهناك من يدعو إلى العمل والإخلاص فيه والصبر علي مشقته.
وهناك من تكون دعوته إصلاحية يريد أن يصلح ما أفسده الآخرون وما أفسدته الأيدي الخبيثة، ودعوتهم (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت)، وهذه دعوة الأنبياء جميعا، ودعوة كل مصلح في كل زمان ومكان.

الدرس الرابع.
اليقين،. هذا ما علمنا إياه النبي صل الله عليه وسلم، من أنه كان على يقين بفرج الله وبنصر الله تعالى، وأن طريق الدعوة ليس مفروشا بالورود، وإنما هى عقبات وأشواك، لكن لابد أن يعلم الجميع وليكونوا علي يقين أن الله تعالى معهم ولن يترهم أعمالهم (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا).
فلنجعل يقننا بالله مرشدنا وقائدنا.

الدرس الخامس.
معرفة قدر النبي صل الله عليه وسلم، ولم لا وقد عرفنا الله تعالى قدره في هذه الرحلة السعيدة فلنفخر ولنفتخر بهذا الرسول ولنرفع رؤوسنا وهاماتنا عالية أن نبينا وشفيعنا محمد.
الدرس السادس.

إشارة الله سبحانه وتعالي إلي بيت المقدس الشريف شرفه الله، وأن الله منجز وعده، وأن الله سيرده إلي المسلمين مردا جميلا وصلاة النبي فيه بالأنبياء، أليست هذه إشارات كافيه أنه لنا وسيرده الله تعالى إلينا لكن متي، (ويقولون متي هو، قل عسي أن يكون قريبا)
اللهم صل وسلم وبارك على صاحب الرحلة المباركة.

#أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.

دكتور عادل القليعى مقالات عادل القليعى مازاغ البصر وما طغى. ”بصر... وبصيرة”