حسين السمنودى يكتب : الوشق المقاتل أم الوهم الرقمي؟... عندما تصنع اللجان الإلكترونية بطولات زائفة


في الأيام الأخيرة، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بقصة الوشق الذي قيل إنه عبر الحدود من سيناء، وهاجم الجنود الصهاينة، موقعًا فيهم إصابات قبل أن يختفي في الظلام. انتشرت الرواية بسرعة مذهلة، وتحولت إلى مادة خصبة للتعليقات والمنشورات الساخرة، بل حتى بعض المواقع الإعلامية التقطت الخيط وبدأت تتناولها وكأنها حقيقة مؤكدة. ولكن، وسط سيل هذه المنشورات، يبرز سؤال جوهري: هل نحن أمام واقعة حقيقية أم أننا نشهد فصلاً جديدًا من فصول التضليل الإلكتروني؟
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، شهدت الساحة الإعلامية حربًا موازية تُخاض على منصات التواصل الاجتماعي. ففي كل مرة يتصاعد فيها الحديث عن المجازر البشعة التي تُرتكب ضد الأبرياء، نلاحظ بروز أخبار جانبية تشتت الانتباه وتخفف من حدة التركيز على القضية الرئيسية.
فكرة أن حيوانًا بريًا كالوشق يمكن أن يتسلل عبر الحدود شديدة الحراسة، ويهاجم الجنود المدججين بالسلاح، ثم يفر دون أن يتم رصده، تبدو أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع. لا يوجد أي مصدر موثوق – سواء من جهات بيئية أو عسكرية – يؤكد صحة هذه الرواية. بل إن تحليل طبيعة الوشق ذاته، وهو حيوان انفرادي لا يميل إلى مهاجمة البشر إلا في حالات نادرة جدًا، يجعل القصة برمتها موضع شك كبير.
هناك العديد من المؤشرات التي تدفعنا للاعتقاد بأن قصة الوشق هذه قد تكون إحدى أدوات "اللجان الإلكترونية" التي تهدف إلى توجيه الرأي العام في اتجاهات معينة. فكلما زادت المشاهد المروعة القادمة من غزة، وكلما ارتفعت الأصوات المطالبة بوقف المجازر، يظهر خبر مثير للجدل ليجذب الانتباه. هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها استخدام مثل هذه الأساليب، فمن قبل سمعنا عن حيوانات برية تقوم بعمليات تجسس لصالح أجهزة استخباراتية، وأخرى تهاجم قوات الاحتلال وكأنها كائنات أسطورية، وكلها قصص تفتقر إلى الأدلة.
في ظل هذه الحرب الإعلامية، يتوجب علينا أن نكون أكثر وعيًا تجاه المحتوى الذي نستهلكه. فالمجازر المستمرة في غزة، والجرائم ضد الأبرياء، والتخاذل الدولي في إيقاف العدوان، كلها قضايا تستحق أن تبقى في صدارة المشهد، دون أن نسمح لبعض الأخبار الوهمية بأن تسرق اهتمامنا.
الصراع مع الكيان الصهيوني أكبر وأعقد من أن يتم اختزاله في قصة وهمية عن وشق عبر الحدود ليهاجم جنوده. الاحتلال الإسرائيلي لم ولن يتأثر بمثل هذه الحكايات، بل إن نشرها بهذه الطريقة قد يكون مفيدًا له أكثر مما نتصور. فهي تمنحه فرصة للسخرية من الخطاب الإعلامي العربي، وتجعله يظهر بمظهر الجهة العقلانية التي تواجه "خرافات العدو". في المقابل، فإن المقاومة الحقيقية لا تقوم على نسج الحكايات، بل على المواجهة الفعلية، وكشف جرائم الاحتلال، ودعم القضية الفلسطينية بكل الوسائل الممكنة.
بدلاً من الانشغال بقصص يصعب تصديقها، علينا أن نوجه أنظارنا إلى الحقائق الميدانية. غزة تنزف، والشعب الفلسطيني يعاني، والانتهاكات الإسرائيلية مستمرة بلا هوادة. كل منشور نتداوله عن الوشق أو غيره من القصص المشابهة، هو بمثابة صرف للأنظار عن المأساة الحقيقية التي يعيشها أهل غزة كل يوم.
الحرب ليست فقط بالسلاح، بل هي أيضًا حرب على العقول، وإذا لم نكن واعين، فإننا سنجد أنفسنا نغرق في بحر من القصص الزائفة بينما يُرتكب الظلم أمام أعيننا. لذا، علينا أن نكون أكثر حذرًا في التعامل مع مثل هذه الأخبار، وأن نحافظ على تركيزنا على القضية الحقيقية: العدوان على غزة وضرورة إيقافه بكل الطرق المتاحة.