د،محمد أبوعلي يكتب: رجلة هذا الزمان ..(أم ياسين فارس هذا الزمان الوحيد)


في ظلام الليالي التي تكاد تلمس فيها القسوة ذروتها، وتتطاير فيها شظايا الألم كالرماد في عاصفة هوجاء، تبرز قصة امرأة حملت قلب الأمومة كسيف، واتخذت من إرادتها درعا يحمي حقا أضاعه كثير من الشياطين بين ثنايا أوراقه البالية.
إنها أم ياسين، التي حولت دموعها إلى نار، وحزنها إلى إصرار، فلم تكن مجرد أم تبكي على ابنها، بل كانت ثائرة ترفض أن يكون الظلم قدرا محتومًا.
لقد كانت أم ياسين نموذجا للإنسان الذي يرفض الاستسلام للعبودية. لقد كانت تعلم أن القوانين وحدها لا تكفي، إن لم تكن هناك روح تدفعها نحو العدل.
واجهت عالما يلبس ثوب الشرعية ليخفي تحته فسادا عتيقا، فلم تتردد في أن ترفع صوتها كالصاعقة:
"ابني مظلوم مذبوح مغتصب ، ولن أسكت حتى يعلو الحق.
كانت تحارب بسلاحين: إيمان الأم الذي لا يعرف المستحيل، وإصرار الفارس الثائر الذي يرفض أن يموت الحلم تحت أقدام الطغاة.
إن المعركة التي خاضتها أم ياسين لم تكن ضد رجل عجوز فحسب، بل ضد منظومة كاملة تخلط بين الحق والباطل. كانت المحاكم ساحة قتالها، والوثائق أسلحتها، والدموع شهودها. كم من مرة سمعت همسات اليأس: "اتركي القضية، فعدوك لا يهزم! .
لقد وقفت أم ياسين اليوم في قاعة المحكمة، و عيناها تشعان كنجمين في ليلة حالكة، وصوتها يهز أركان المكان كالرعد ، واستطاعت أن تحول المحنة إلى ملحمة، فلم تكن تبكي على ما فات، بل كانت تبني من أشلاء آلامها سلمًا يصعد به الحق إلى القمة.
لم تكن شجاعتها كشجاعة الأبطال في ساحات القتال، بل كانت كتلك الشجاعة الهادئة التي تذيب الصخر قطرة قطرة.
لقد كانت أم ياسين اليوم امتدادا لنساء صنعن التاريخ من دمائهن. هي كـزرقاء اليمامة التي لم تفقد البصيرة رغم فقدان البصر، وكـخنساء العصر الحديث التي أبت أن تنوح على أبنائها دون أن تنتقم لهم.
لقد أثبتت أن الأمومة ليست حنانًا وحسب، بل هي قوة تغير العالم.
لم تكن معركتها قانونية فحسب، بل كانت معركة هوية. لقد هزت بموقفها ذلك الجبل الشامخ الذي يسمى "العادات الفاسدة، وأظهرت أن المجتمع لا يُصلحه إلا أفرادٌ يرفضون السكوت عن الخطأ، حتى لو كان الثمن هو كل ما يملكون.
لقد كتبت بحبر عزمها فصلًا جديدًا في سفر النضال الإنساني، فصلا يقول: لا مستحيل حينما تقف الإرادة الإنسانية في وجه الباطل.
لم تكن كلمة "المؤبد" التي نطقت بها المحكمة مجرد حكمٍ على عجوز شاذ، بل كانت إعلانا بأن الظلم مهما علا، فإن هناك قوة في السماء تُدافع عن الذين يقاتلون بالحق.
أم ياسين لم تنتصر لابنها فقط، بل انتصرت لكل أمٍ ظُلمت، ولكل إنسان رفض أن يدفن حقه تحت تراب الصمت.
هكذا تتحول المعاناة إلى نور، والألم إلى درسٍ للأجيال:
"إن الأم التي تحمل قلب ألف رجل، لا تُهزم أبدًا".
مصر كلها تفخر بفارسها الجديد رجلة مصر الجدعة أم ياسين
أم ياسين : فارس هذا الزمان الوحيد .
أم ياسين : فارس هذا الزمان الوحيد .