الإثنين 5 مايو 2025 06:11 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حسين السمنودى يكتب : ”هكذا يقتلنا الصهاينة في صمت... غذاء مسموم وختم على الظهر وطفولة تُدفن وهي حيّة”

الكاتب الكبير حسين السمنودى
الكاتب الكبير حسين السمنودى

في صخب السياسة وصراعات الجيوش، يمر كثير من الجرائم في صمت... لا يُسمع لها صوت ولا يُرى لها أثر في العناوين العريضة. جرائم ترتدي رداء الغذاء، وتُغلف بالشوكولاتة، وتُغرس في التربة كأنها بذور حياة، وهي في حقيقتها أدوات إبادة بطيئة، تنفذها آلة الاحتلال الصهيوني بدم بارد وبخبث لا يضاهى.

فلنبدأ من فصل موجع من فصول الخسة: الجنود العرب الذين أُسروا في حروب العرب مع إسرائيل، لم يُعامَلوا كأسرى حرب، بل كأجساد يجب أن تتوقف عن التناسل. في واحدة من أفظع الجرائم غير المعلنة، تم ختم ظهور بعض الأسرى بختم معدني محمى، يُقال إنه يؤدي للعقم، لتُغلق بذلك صفحة نسلهم وهم على قيد الحياة. لم تكن الحرب كافية، فكان لا بد من امتدادها إلى صلب الإنسان ذاته.

ولنقف قليلاً عند الشوكولاتة، تلك الحلوى البريئة التي يحبها الأطفال. في سيناء، كانت بعض القوات الإسرائيلية توزع قطعًا منها على الأطفال. لم تكن هدية من محتل كريم، بل سُمٌّ مغطى بالسكر. تشير روايات الأهالي إلى حالات متكررة من التخلف العقلي أصابت من تناولوا تلك الحلويات، خاصة الأطفال. ليس عبثًا أن تكون الحلوى وسيلة تفريغ العقول، فمن يُرد احتلال الأرض يبدأ بتشويه العقول.

أما البذور، فهي قصة أكثر خبثًا. قامت إسرائيل بتصدير بذور زراعية إلى مصر، في فترات متعددة، بعضها غير مصرح به رسميًا، وكانت هذه البذور تحمل معها أمراضًا خبيثة، أفسدت الزرع وأصابت من أكله بأمراض السرطان والفشل الكلوي والوباء الكبدي. ليس فقط المزارعون والكبار، بل حتى الأجنة في بطون أمهاتهم لم يسلموا من هذه المصائب، وكأن العدو قرر أن يحارب الحياة من مهدها.

وفي مشهد يكاد يكون عبثيًا وغير صحيح ، فرت أبقار من المستوطنات الإسرائيلية إلى قطاع غزة. واستبشر بها الناس الجائعون خيرا ، لكن الحذر ظل قائمًا: وتساءل البعض هل من الممكن أن يكون الاحتلال قد حقنها بما يفتك بمن يأكلها؟ ليس هذا خيالاً، بل سؤالًا منطقيًا في ضوء سجل طويل من الجرائم الممنهجة. فماذا لو تحكم العدو في الطعام؟ هل ننتظر سوى أن يمزج لنا الموت مع كل وجبة، بالتقسيط البطيء؟

هذه ليست مجرد أحداث متفرقة، بل هي استراتيجية صهيونية قديمة متجددة: تدمير الإنسان العربي دون طلقة واحدة، عبر التخطيط الممنهج لإفساد الغذاء والدواء والعقل والنسل. إنها حرب صامتة، لا تُعرض على الشاشات، لكنها تُسجل في أجساد الأطفال، وفي قبور لا تُحصى.

علينا أن نفهم: الاحتلال لا يكتفي بالأرض، بل يلاحق الإنسان العربي إلى بيته، إلى مائدته، إلى حقله، إلى دمه. ومثل هذه الجرائم لا تموت بالنسيان... بل تُفضَح وتُحاسب وتُكتب بالتاريخ.