الإثنين 5 مايو 2025 07:42 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د.نهال أحمد يوسف تكتب عن:رحلة الشتيمة..من همسات القهاوي إلى ضحكات اللايكات

د.نهال أحمد يوسف
د.نهال أحمد يوسف

في خضم تفاعلاتنا اليومية، سواء في زحام شوارع مصر الصاخب أو في هدوء لياليها، بدأت ألاحظ أمراً لافتاً يستحق التوقف والتأمل: كيف تحولت تلك الكلمات التي كانت تهمس بها الشفاه خجلاً أو تنطلق في لحظات غضب مكتوم في زوايا المقاهي والشوارع الخلفية، إلى مادة للضحك والتسلية في عالمنا الرقمي المعاصر؟ لم يعد الأمر مجرد سماع عابر لعبارة نابية، بل أصبحنا نشهدها تزين محتوى البودكاستات الرائجة، تتخلل عروض الكوميديا الارتجالية (الستاند أب) التي تجذب الآلاف، و تنساب بين أصابع المتصفحين كقصة مثيرة عبر مقاطع الفيديو القصيرة على هواتفنا.

هذه الرحلة المثيرة للدهشة، التي نقلت الشتيمة من هامش المحادثات الخاصة إلى واجهة التعبير الرقمي العام، دفعتني للتساؤل عن جذور هذا التحول. كيف استطاعت تلك الألفاظ التي كانت تُعد في الماضي القريب من المحرمات الاجتماعية، أن تجد لها موطئ قدم، بل ومكانة، في عالمنا الرقمي المعاصر؟
بالعودة قليلاً إلى تاريخنا الاجتماعي، نجد أن اللغة البذيئة لم تكن غائبة تماماً عن نسيجنا الثقافي. كانت حاضرة في الحكايات الشعبية والأمثال المتوارثة، ربما كوسيلة للتعبير عن ضغوط الحياة أو للتأكيد على تماسك فئات معينة. لكن ظل هناك دائماً سياق اجتماعي صارم يحدد متى وأين يمكن لهذه الكلمات أن تُقال. أما اليوم، ومع تطور التواصل عبر الإنترنت ومنصاته المختلفة، يبدو أن هذه الحدود التقليدية بدأت تتلاشى تدريجياً. فالفضاء الرقمي، بطبيعته الأقل رقابة والأكثر انفتاحاً، خلق مساحة جديدة للتعبير، ويبدو أن صناع المحتوى وجدوا في اللغة العامية بكل ما تحمله من صراحة، بما في ذلك بعض الشتائم، وسيلة للتواصل بشكل أكثر "واقعية" و "عفوية" مع جمهورهم.

أتذكر جيداً كيف كنت أستمع أو أُشاهد في البداية لبعض البودكاستات وأتفاجأ ببعض الألفاظ أو التي قد تُستخدم بشكل عرضي. لكن مع مرور الوقت، لاحظت أن هذا الأسلوب أصبح أكثر شيوعاً، بل وأحياناً يُنظر إليه على أنه علامة على الأصالة والقرب من لغة الشارع التي يفهمها ويتفاعل معها الشباب. الأمر نفسه ينطبق على عروض الكوميديا الارتجالية التي بدأت تستخدم هذه اللغة كأداة لخلق المفاجأة والضحك، أو للسخرية من بعض التناقضات الاجتماعية بطريقة مباشرة وجريئة. وحتى مقاطع الفيديو القصيرة، التي تسعى لجذب الانتباه في ثوانٍ معدودة، أصبحت تستخدم أحياناً كلمات بذيئة لتحقيق هذا الهدف. ولم يتوقف الأمر عند حدود اللغة العربية؛ فقد لفت نظري أيضاً انتشار استخدام الشباب للألفاظ الإنجليزية البذيئة في أحاديثهم اليومية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. يبدو أن هذه الكلمات، التي قد تبدو غريبة عن ثقافتنا اللغوية، أصبحت جزءاً من "موضة" لغوية تعكس ربما تأثراً بالثقافة الغربية أو رغبة في التعبير عن "حداثة" معينة.
هذا التحول المثير للتأمل دفعني للبحث عن تفسير سيكولوجي لهذه الظاهرة. وهنا وجدت في نظرية كسر الأعراف (Norm Violation Theory)، التي طورها باحثون مثل توماس شاشتر وبيتر ماكجرو وكاليب وارن، إطاراً يساعد على فهم جزء من هذه الجاذبية. ببساطة، تفترض هذه النظرية أننا نجد شيئاً ما مضحكاً أو لافتاً عندما يتم انتهاك توقعاتنا أو قواعد السلوك المعتادة بطريقة غير مؤذية أو مهددة. فالشتائم، في الأصل، تمثل خروجاً عن قواعد اللغة المهذبة والسلوك اللغوي المقبول في معظم السياقات الرسمية. وعندما تُستخدم هذه الألفاظ في سياق آمن أو هزلي، كما هو الحال في أداء كوميدي أو محادثة غير رسمية بين صناع المحتوى وجمهورهم الذي يتوقع هذا النوع من اللغة، فإن هذا الكسر للتوقعات اللغوية يخلق مفاجأة وتوتراً يتم حله بالضحك. تقبل الجمهور لهذا الكسر يشير إلى مرونة في الأعراف اللغوية في هذه المساحات الرقمية، خاصة بين الشباب الذين قد يرون في ذلك تعبيراً عن الأصالة والتحرر من القيود التقليدية.