الإثنين 5 مايو 2025 11:49 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شبراوى خاطر يكتب :قول مأثور أتأمله:

الكاتب الكبير شبراوى خاطر
الكاتب الكبير شبراوى خاطر

أقضي وقتاً طويلاً في تتبع نشأة الأفكار ومدى رسوخها وثباتها وانتشارها بين الناس وتغلغلها داخل الثقافات المختلفة عبر الزمن.

وعندما وقفت عند المثل القائل: "السكوت يعني الرضا" وجدته يُقال بطرق مختلفة مثل: السكوت علامة الرضا، أو السكوت أخو الرضا، والمثل القائل: ربما كان السكوت جواباً.

تساءلت كم مرة سمعت هذا المثل في الحياة اليومية والأفلام والمسلسلات، وفي معظم الأحيان خلال التقدم لخطبة فتاة، ويسألونها عن موافقتها، فتسكت مطأطأة خجلة، فيكون الجواب: أهو السكوت علامة الرضا، وترتفع الزغاريد ويُقدم المشروبات والحلويات، وتُقرأ الفاتحة إيذاناً بتأسيس شراكة زوجية جديدة.

ولأنني مولع بإنتشار الأفكار، فاجتهدت لكي أتتبع منشأ هذه العبارة التي أصبحت مثل شعبي يحكم رؤيتنا وقرارتنا في الحياة.
ولأن هذا المثل أصبح قاعدة يمكن تطبيقها في كل مناحي حياتنا الشخصية والعائلية والتربوية والسياسية، فكان من الهام بالنسبة لي أن أبحث واستكشف عن أول من ابتكر هذا المثل، ومما ذكرته بعض المصادر أن أول من قال هذه العبارة مصلح ديني انجليزي اسمه "جون ويكليف"، ١٣٢٨-١٣٨٤. درس اللاهوت والفلسفة بجامعة أكسفورد. كانت نظريته عن السيادة تعني أن الأفراد الذين يرتكبون خطيئة مميتة لا يحق لهم ممارسة السلطة في الكنيسة أو الدولة، ولا امتلاك الممتلكات. وأصر "ويكليف" على أن يعيش رجال الدين في حالة من البساطة الشديدة إذ لا ينبغي لهم أن يجمعوا الثروة بل يجب عليهم بدلاً من ذلك أن يعيشوا بشكل متواضع ويركزوا على واجباتهم الروحية وخدمة المجتمع وانتشرت مبادئه عن طريق تابعيه، وأثّرت في المصلح الألماني "جون هوس"، ١٣٧٢-١٤١٥ ويعتبر هوس المصلح الكنسي الثاني، 'ثم كان له تأثير واضح في قائد الحركة الدينية البروتستانية "مارتن لوثر"، ١٤٨٣-١٥٤٦.
وكانت أفكاره أكثر تأثيرا على
جان كالفن (10 يوليو 1509 – 27 مايو 1564)، كان عالم لاهوت وقس ومصلح فرنسي في 'جنيف' خلال حركة الإصلاح البروتستانتي. وكان من المساهمين الرئيسيين في تطوير المنظومة اللاهوتية المسيحية التي دُعيت فيما بعد بـ «الكالفينية»،.

ولعل تتبعى لسلسلة التأثير المتتالي لتعاليم "ويكليف" هذه حتى وصلت إلى 'جان كالفن'، فمن الممتع أن أسرد عليكم قصة طريفة نعلم من خلالها كيف لأفكار وتعاليم دينية متشددة كبّلت عقول الناس في منتصف القرن الثالث عشر، أن تكون سبباً لإزدهار صناعي في دولة مثل سويسرا وخاصة أهم مدينة فيها "جنيف" لتكون أهم معقل لصناعة الساعات الفاخرة في العالم. وهذه الأقصوصة قد قراتها في كتاب "شيرين عادل" (هوستيل):
حيث قالت: في عام ١٥٤٥، وصل إلى "جنيف" أحد رجال الدين المسيحي، قادماً من بلده فرنسا، ومحملاً بخطط جريئة لإصلاح الكنيسة الكاثوليكية بتلك البلدة، وتحويلها إلى المذهب البروتستانتي، تزامناً مع اجتياح هذا المذهب لأوروبا في أواسط القرن السادس عشر، كان "جان كالفن" مسيحياً متشدداً، رافضاً لكل مظاهر الترف والإسراف، منظماً دقيقاً إلى حد الصرامة، حتى أن طموحاته لإصلاح الكنيسة امتدت إلى إصلاح مدينة "جنيف" نفسها، لذلك سن قوانين قاسية توقع غرامات مادية على كل من تسول له نفسه التأخر عن القدّاس الأسبوعي، أو الرحيل عنه قبل إنتهائه أو التغيب عنه لأي سبب كان.
كما وجد أهل 'جنيف' أنفسهم بين يوم وليلة في مواجهة قوانين غريبة. فقد منع "كالفن" الرقص، ومنع ارتداء المجوهرات بأشكالها، لاعتبارها من مظاهر البذخ والإسراف المكروه ؛ وهكذا وقع تجار الذهب والجواهر النفيسة في معضلة. فنشاطهم التجاري أصبح بين عشية وضحاها مهدداً بالخطر، لمخالفته القانون الجديد.
حسناً، ماذا نفعل مع رجل دقيق المواعيد كاره للحلي الذهبية؟ فلنهديه ساعة ذهبية! وقد كان، وتحول كل صنّاع الحلي والمجوهرات في مدينة "جنيف" إلى صنّاع ساعات من الدرجة الأولى، وقبل "كالفن" بذلك على اعتبار أن الساعات ادوات مفيدة للإنسان وليس فيها شيء من الإسراف المكروه، لم يكن هذا ال "كالفن" يعرف بالطبع أنه سيأتي يوم على تلك البلدة، وتصنع من الساعات ما يتعدى ثمنه المليوني دولار!

فهل هناك شك بأننا نحيا بالأفكار ونلدها ونتوارثها ونورثها،