الثلاثاء 6 مايو 2025 03:34 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د. محمد محمود أبوعلي يكتب : لأني أحبهم ... مصر فوق الجميع.

اد. محمد محمود أبوعلي.
اد. محمد محمود أبوعلي.

ولأنهم أخوة.. ولأنهم شركاء الوطن .
ولأن الحب أوفى من الكراهية
فسأتوقف تماما عن الكتابة أو التعليق علي ما فات .

آن للقلب أن يستريح، وللصوت أن يخفت، وللكلمة أن تسكن في أعماق الضمير بعد أن أرهقها الجدل، وأتعبتها الشكوك، وأضناها التردد بين الحق والباطل، بين العدل والظلم، بين ما يُقال وما يُكتم.
آن للروح أن تتنفس هواءً نقيًا، غير ملوث بغبار الخصومة، ولا بزفير الأحقاد.
آن لنا أن نعود إلى أنفسنا، نعود إلى إنسانيتنا، نعود إلى ذلك التراب الطاهر الذي جمعنا تحت سماء واحدة، في وطن واحد، قلبًا واحدًا.

لأني أحبهم..
لأنهم شركاء في هذا الوطن،
شركاء في الدم،
شركاء في التاريخ،
شركاء في الفرح والألم.
لأني لم أرَ منهم إلا الوفاء،
ولم أسمع منهم إلا الكلمة الطيبة،
ولم أحس منهم إلا باليد الممدودة بالخير، والمحبة، والإخاء.
لأنهم حين يجرحون لا يصرخون ، وحين يُهاجمون يذكرون أن لهم ربًّا يحكم بينهم وبين الناس بالحق.
لأنهم يعرفون أن الوطن لا يُقسّم، وأن القلب العاشق للوطن لا تدخله الكراهية ، وأن الدم لا يُفرّق بين دين ودين.

لقد انتهى الأمر عندي ..
وينبغي أن ينتهي عند غيري .
انتهى حيث أراد له القضاء أن ينتهي. والقضاء هو الحكم الذي لا حكم فوق حكمه،
هو الكلمة التي لا كلمة بعدها،
هو العدل الذي لا عدل سواه.
فإن كان قد حكم اليوم بحكم، فسأخضع له طائعًا مختارًا،
وإن حكم غدًا بغير ما حكم به اليوم، فسأخضع له طائعًا مختارًا.
لأني أعرف أن في القضاء رحمة، وفي القضاء حكمة،
وفي القضاء إنصاف.
ولأني أعرف أن الحق لا يتجزأ، وأن العدل لا يتبدل، وأن الكلمة الفصل ليست لأحد من البشر، بل هي لله أولًا، ثم لمن يقضي بين الناس بالحق.

وسأصمت.. ليس لأني خائف، ولا لأني ضعيف، ولا لأني آثرت السلامة على المبدأ. بل لأني أعرف أن الكلمة حين تخرج من القلب تصل إلى القلب، وحين تخرج من العقل تصل إلى العقل، أما حين تخرج من نار الغضب فإنها لا تصنع إلا الدخان الذي يُعشي الأبصار، ويُفسد الأرواح، ويُضل العقول.
سأصمت وأتوقف عن الكتابة لأني لا أريد أن أكون شمعة تُحرق نفسها لتنير الطريق للآخرين، بل أتمني أن أكون شمسًا تنير دون أن تحرق، تهدي دون أن تحرق ، تعطي دون أن تنتظر العطاء.

أستخلفكم أيها الأحباء.. مسلمين ومسيحيين.. أن نكون ونبقي ونظل إخوة متحابين، لا يتسلط علينا وعليكم وسوسة شياطين الإنس والجن بتأجيج نيران الكراهية والغضب بيننا .

أستخلفكم أن نتذكر دائمًا أننا أبناء أرض واحدة، نشرب من نيل واحد، ونتنفس هواءً واحدًا، وننام تحت سماء واحدة.
أستخلفكم أن ننفض عن صدورنا غبار السوء، وأن نغسل قلوبنا بماء المحبة، وأن نمد أيدينا إلى بعضنا كما يمد الأخ إلى أخيه، وكما يمد الصديق إلى صديقه.

أستحلف الجميع بدماء الشهداء التي سالت على تراب هذا الوطن مسلمين ومسيحيين، فاختلطت لتصنع مجدا لا يفرق فيه بين صليب وهلال أن نتوقف ونعلي من مصلحة الوطن .
أستحلف الجميع بكل يد امتدت بالخير، وكل قلب امتلأ بالمودة، وكل ذكرى جميلة جمعتنا في محراب الوطن قبل أن تفرقنا متاهات السوء أن نحب مصر أكثر .

أيها الأصدقاء .. مسلمين ومسيحيين..
لننفض عن صدورنا غبار الظنون، ولنغسل قلوبنا بماء التسامح، ولنمسح بيد الحنان كل جرح نزف كلمات مريرة.
ها هو ذا الوطن ينظر إلينا بعيني أم حزينة تتساءل:
أين أولادي الذين عاهدوني على المحبة؟
أين أولادي الذين عاهدوني على المحبة؟
أين ذلك العهد الذي قطعتموه على أنفسكم يوم كنتم تبنون معا، وتضحون معا، وتقاتلون معا؟

إن شياطين الإنس والجن قد أخذوا ينفخون في نار لن تحرق إلا أبناء الوطن الواحد. فهل نكون وقودا لغايات خبيثة تفرق ما جمع الله؟
أم نكون سدا منيعا يحمي بنيان هذا الوطن العظيم من الانهيار؟

لقد آن الأوان أن نصنع بالمحبة ما لا نصنعه بالخصومة،
أن نذكر بعضنا بعضا بأن الأخوة ليست كلمة تقال، بل هي دم يسري في العروق، وتاريخ يكتب على جبين الزمن.

فيا من تحبون مصر..
أقسمت عليكم بترابها الطاهر، وبأزهرها الشامخ، وبكنائسها التي صلت من أجل السلام..
أقسمت عليكم أن تضعوا أيديكم في أيدي بعضكم، كالبنيان المرصوص.
لا تسمعوا كلمة فرقة،
ولا تصدقوا إشاعة ضغينة،
ولا تفتحوا صدوركم لسموم الفتنة.
تذكروا دائما أن العدو الحقيقي ليس هذا أو ذاك، بل هو التشتت، والجهل، والنسيان الذي يضيع بيننا أجمل ما في الوجود: الأخوة والمحبة الإنسانية وعشق تراب الوطن .

شكرا لكل قلب كبير آثر الصمت على الجدل، والحكمة على العاطفة، والوطن على كل خلاف.
شكرا لمن وقفوا كالجبال أمام رياح الفتنة، فذكروا الجميع بأن مصر لم تبن بالحجارة وحدها، بل بدماء المحبين، وإيمان الموحدين، وتضحيات الأخيار من كل دين وملة.

فليعش الوطن واحدا.. وليعش أبناؤه إخوة.. ولتكن كلمتنا الأخيرة دائما:
مصر فوق الجميع
مصر فوق الجميع
مصر فوق الجميع

شكرًا.. شكرًا لكل من وقف موقف الأخ الحاني، والصديق الوفي، والمواطن الشريف الذي يضع يده على قلبه قبل أن يتكلم، ويضع مصلحة وطنه فوق كل مصلحة.
شكرًا لمن علمني أن الحب أقوى من كل شيء، وأن الأخوة أبقى من كل عداوة، وأن الوطن أغلى من كل خلاف.

فليعش الوطن.. وليعش أبناؤه.. مسلمين ومسيحيين.. إخوة إلى الأبد.
مصر فوق الجميع
مصر فوق الجميع
مصر فوق الجميع