الخميس 8 مايو 2025 06:50 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

سمير إبراهيم زيان يكتب : ”في الدفاع عن العقل العربي: بين فرية البؤس وحقيقة الإبداع”

الكاتب والمفكر الكبير سمير إبراهيم  زيان
الكاتب والمفكر الكبير سمير إبراهيم زيان

ردًّا على الجدل الفلسفي العميق الذي أثاره الدكتور مراد وهبة باتهامه للعقل العربي بـ"البؤس"، وردّ الدكتور عادل القليعي عليه في سلسلة مقالاته المدافعة، أقدّم وجهة نظري استنادًا إلى معايشتي الشخصية لثقافات كثيرة ومتعددة، ومن خلال قراءة تأملية متزنة لهذا السجال الذي يتجاوز الأسماء إلى سؤال جوهري عن قيمة العقل العربي والإسلامي وقدرته على الإبداع والنهضة.

أولًا: في أطروحة د. مراد وهبة

منهج د. وهبة قائم منذ عقود على التنوير والحداثة والنقد الجذري للثقافة السائدة، وله مساهمات مهمة في تحليل العلاقة بين الدين والعقل والسلطة. لكن وصفه للعقل العربي بـ"البؤس" - إذا أُخذ بالمعنى القيمي المطلق - يبدو تعميمًا اختزاليًا جائرًا. فالعقل العربي ليس كيانًا بيولوجيًا مغلقًا، بل هو منتَج ثقافي تاريخي يتشكّل في سياقاته الاجتماعية والسياسية والتربوية، شأنه شأن أي عقل جماعي في أي حضارة.

البؤس الحقيقي – إن وُجد – فهو نتاجُ ظروف الاستبداد والتهميش والتلقين، وليس طبيعة جوهرية في العقل العربي. وبالتالي فالحكم بالبؤس المطلق يُقصي طاقات هائلة على الإبداع والتجديد موجودة، ولكنها مُعطّلة أو مُحبطة

ثانيًا: في دفاع د. عادل القليعي

أثبت د. القليعي بسرد تاريخي دقيق، أن الفكر العربي والإسلامي الكلاسيكي والمعاصر أعلى من شأن العقل، وتفاعل بجدية مع التراث الفلسفي الإنساني. فسرده لمسارات الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد والغزالي وأبو حيان وغيرهم، يُظهر كيف سعى هؤلاء إلى التوفيق بين العقل والوحي، وبنوا منظومات معرفية عميقة ومتنوعة.

لكن الإشكال في هذا الرد أنه، وإن كان علميًا ومدعومًا بأمثلة تاريخية، يركّز في معظمه على التمجيد للماضي دون طرح رؤية تحليلية نقدية للحاضر، الذي ربما يستند إليه وهبة في حكمه. نحن بحاجة إلى الاعتراف بوجود اختلالات بنيوية حقيقية اليوم في مؤسساتنا التعليمية والمعرفية والدينية والسياسية تُقيّد العقل العربي، وهذا لا ينفي ماضيه المشرق، ولا مستقبله الموعود.

ثالثًا: رؤيتي الشخصية من خلال المعايشة الثقافية

لقد عايشت عن قرب ثقافات متعددة في الشرق والغرب، ووجدت أن الفرق ليس في العقول، بل في مناخات الحرية، وآليات الإنتاج المعرفي، ومنظومات التشجيع والاعتراف. شباب من أصول عربية وإسلامية، حين يُمنحون فرص البحث والتفكير في بيئات منفتحة، يُبدعون في شتى الحقول، من العلوم الدقيقة إلى الفلسفة والفنون.

فـ"البؤس" إن وُجد، فهو بؤس إدارة العقل، لا بؤس العقل ذاته.

خلاصة القول:

العقل العربي والإسلامي ليس بئيسًا، بل معطَّل جزئيًا، ومسجون داخل قيود سياسية ومؤسسية.

مراد وهبة محق في نقد الواقع، لكنه جانَب الدقة في تعميمه اللغوي.

د. القليعي محق في كشف الجذور الفلسفية العقلانية، لكنه يحتاج إلى توسيع أفق الدفاع ليشمل تشريح الواقع لا تمجيد الماضي فقط.

والنهضة تبدأ من تحرير العقل لا تجميله، وتحفيزه لا تزويقه.