الإثنين 12 مايو 2025 12:51 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

محمد دياب يكتب: لا تأمنْ نفسَك

ألكاتب الكبير محمد دياب
ألكاتب الكبير محمد دياب

فِي زمنِ الفتنةِ نَمْ واسكُتْ
لا ترفعْ صوتَكَ فالجدرانُ لها آذان
واكتمْ صوتَ الحجرِ القابعِ فِي صدرِك
أغلقْ بابَ البيتِ عليكَ وسَمِّ اللهَ
لتنامَ سعيدًا مُكتملَ الإيمان
واحمدْ ربكَ أنَّ البيتَ تهدَّم
لمْ ينزلْ فوقَكَ كالصاعقةِ لتقيمَ المأتم
لمْ يدخلْ سيخُ حديدٍ فِي أُذُنيك
وأنكَ لمْ تفقدْ عينًا مِنْ عينيك

أنكَ فِي خيرٍ وسليمٌ ومُعافىٰ
لمْ تسكنْ فِي قلبِكَ بضعُ رصاصاتٍ
تنامُ وجنبُكَ عنْ كلِّ فِراشٍ يتجافىٰ
لمْ تسقطْ فوقَكَ قنبلةٌ
أوْ راحتْ قدمٌ مِنْ قدميك

قبِّلْ ظهرَ يدَيكَ وباطنَها أنكَ لمْ تتشَظَّ
ولا طارتْ أعضاؤُكَ فوقَ الأرضِ
وانتثرَتْ أشلاؤكَ مثلَ دقيقٍ مطحونِ
واختلطَتْ بالطينِ وبالرملِ وبالماءِ
ونارِ ترابٍ صخريٍّ يتلظَّىٰ
وتعذرَ لمّكَ أوْ تجميع شظاياكَ
ولمْ يتعرَّفْ أحدٌ ممَّنْ يعرفُكَ على جثتِكَ
ولمْ يتعرَّفْ أحدٌ مِنْ دمِكَ عليك

فصلِّ للهِ تعالىٰ
وبعدَ صلاتِكَ أغلقْ فمَكَ الطاهرَ
لا تسهرْ ليلًا لكلامِ الديدانِ
ولا تدخلْ فِي أيِّ حديثٍ وتغطَّ
وادخلْ جحرَكَ وارقدْ كالفئرانِ
خيِّطْ فمَكَ وخاصِمْ نفسَك
لا تسمعْ حرفًا أوْ همسًا مْنْ شفتيك

لا تأمَنْ ظلَّكَ حينَ تسيرُ
وحينَ يكونُ وراءَكَ يرصدُ نبضَك
أوْ حينَ يكونُ أمامَكَ يُعلنُ رفضَك
أوْ حينَ يكونُ عموديًا أوْ مُختفيًا
لا تحملْ كتبًا تحتَ الإبطِ وتمشِي
مثلَ الطائرِ فرحانًا مُحتفيًا
ولا صُحفًا أوْ أوراقًا فِي إبطيك

لا تأمَّنْ هذِي الأشجارَ الواقفةَ
أمامَ البيتِ تُصلِّي فِي شارعِكُم
ستميلُ الأشجارُ يمينًا ويسارًا
وتسيرُ الأغصانُ وراءً وأمامًا
مِنْ تحتِكَ تشتعلُ الأوراقُ
إنْ مالتْ رِجلٌ مِنْ رِجليك

لا تسمعْ أصواتِ الطيرِ بشرفةِ منزلِكُم
حينَ تجيءُ وحينَ تطير
إنَّ العصفورَ سينقلُ ما تفعلُهُ
وأنتَ ذكيٌّ لمَّاحٌ وخبير
ولا تأمَنْ عينًا مِنْ عينيك
لمَّا تنظرُ فِي المرآةِ إليك

لا تأمَنْ إنْ نمتَ يديكَ
فلقدْ تتسللُ واحدةٌ ليلًا
وتقومُ وتقطعُ رأسَك غدرًا
فأرِحْ نفسَكَ كي لا تُقتَلَ حينَ تنامُ
واقطعْ فِي الحالِ يديك
كي لا تغتالَكَ كفٌّ مِنْ كفَّيك

فإنْ خانتكَ الكفُّ الأخرىٰ
وأعطتْ مالًا للمأجورِ
أوْ دسَّتْ سُمًّا بطعامِكَ سرًا
أوْ فكرتِ الكفُّ بقتلِكَ ليلًا
لما تدخلُ كهفَ النومِ حزينًا
أوْ حينَ تقومُ تصلِّي
فتخلَّصْ فورًا منها ولا تخبرْ أحدًا
حتَّى لوْ نفسَك
أنكَ قدْ قمتَ بتطبيقِ الحدِّ عليك !

وتوضَّأْ بالدمِّ إذَا لمْ تجد الماءَ
واشربْ دمًا إنْ رفضَتْ رفضًا
هذِي الأرضُ بأنْ تُعطيكَ الماءَ
إذَا لمْ ينزلْ مِنْ فوقٍ ماءٌ يرويك
فانزلْ مغتسلًا بالدمِّ ولا تعبأْ
وصلِّ فِي وادي جَهنمَ واهزأْ
لستَ بوادٍ مثلَ طوىٰ
فادخلْ وتقدَّمْ لا تخلعْ نعليك

39eb6e51fe80.jpg