الخميس 15 مايو 2025 10:34 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د. مندور عبد السلام فتح الله يكتب: الذكاء الاصطناعي ومبادرة الرئيس

د. مندور عبد السلام فتح الله
د. مندور عبد السلام فتح الله

طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي دمج التكنولوجيا الحديثة في التعليم، أصبح تدريس الذكاء الاصطناعي كمقرر دراسي في مصر خطوةً جريئةً نحو مستقبل تعليمي يواكب ثورة الصناعة الرابعة. ففي كلمته خلال افتتاح مدينة المعرفة بالعاصمة الإدارية الجديدة، أكد الرئيس أن "مصر لن تكون خارج سباق التكنولوجيا"، مُشيرًا إلى أن التعليم هو المحرك الأساسي لهذا التحول. هذه الرؤية الطموحة ليست مجرد حلم، بل تجارب دولية أثبتت أن إدخال الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية يُعد استثمارًا في رأس المال البشري، خاصةً مع توقعات أن تُساهم هذه التكنولوجيا بنسبة 15% من الناتج المحلي العالمي بحلول 2030 عندما أدرجت كوريا الجنوبية مادة "الذكاء الاصطناعي والأخلاق" في مدارسها الثانوية عام 2020، اعتمدت على منصات تفاعلية مثل AI Friends، حيث يتدرب الطلاب على برمجة روبوتات افتراضية لحل مشكلات يومية كإدارة حركة المرور أو ترشيد الطاقة. وفي فنلندا، نجحت مبادرةElements of AI المجانية في تعليم أساسيات هذه التكنولوجيا لـ40% من المشاركين دون حاجة إلى خلفية تقنية، مع تركيز خاص على أخلاقيات استخدامها. أما الصين، فاستخدمت خوارزميات ذكية في مدارس بكين لتحليل أداء الطلاب في الوقت الفعلي، وتوجيه المعلمين نحو نقاط الضعف، مما خفض نسبة الرسوب بنسبة 30%. هذه النماذج ليست ضربًا من الخيال، بل دروسًا عملية يمكن لمصر أن تستلهمها، مع تكييفها لتناسب واقعها الخاص.
التحدي الأكبر لا يكمن في غياب النماذج الناجحة، بل في كيفية تحويل الرؤية إلى واقع. فوفقًا لتقرير البنك الدولي، فإن 65% من المدارس المصرية لديها اتصال بالإنترنت، لكن جودة الخدمة تختلف بين الريف والحضر. هنا يأتي دور مشروع "مدارس المصرية الرقمية"، الذي أطلقه الرئيس السيسي، والذي يمكن تحويله إلى منصة تدريبية للمعلمين أولاً، مع توفير أجهزة لوحية ببرامج تعليمية تفاعلية، كما فعلت سنغافورة، حيث تُستخدم القصص المصورة والألعاب الرقمية لشرح مفاهيم معقدة مثل "البيانات الضخمة" عبر سيناريوهات بسيطة، كتدريب روبوت افتراضي على تمييز النباتات السامة.
لكن البنية التحتية وحدها لا تكفي؛ فالمحتوى التعليمي يحتاج إلى شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص. ففي الهند، درَّبت شركة Google مليون معلم على أدوات الذكاء الاصطناعي خلال عامين عبر ورش افتراضية، وهو نموذج يمكن لمصر أن تحتذي به عبر التعاون مع شركات مثل مايكروسوفت وIBM مصر. كما أن مشروعات التخرج التطبيقية – كتلك المطبقة في اليابان – يمكن أن تكون بوابة لإشراك الطلاب في حل مشكلات محلية، مثل تطوير أنظمة ذكية للكشف المبكر عن أمراض المحاصيل الزراعية، أو تحليل بيانات البطالة لتوجيه سياسات التوظيف، مما يُحوِّل الذكاء الاصطناعي من مادة نظرية إلى أداة للتنمية.
قد يرى البعض أن التحديات كبيرة، كعدم توفر الكوادر المؤهلة أو ارتفاع التكلفة، لكن التاريخ يُعلِّمنا أن الحلول الإبداعية تُولد من رحم التحديات. ففي الأردن، نجحت مبادرة "مدرسة في تقديم تعليم رقمي مجاني لأطفال المناطق النائية عبر مقاطع فيديو مسجلة، بينما اعتمدت رواندا على نظام التعليم الهجين لسد الفجوة بين الريف والحضر. مصر يمكنها الاستفادة من هذه الدروس عبر دمج الحصص الافتراضية بمنصة Digital Egypt مع أنشطة عملية داخل الفصول، والاستعانة بالخبراء المصريين بالخارج عبر برامج توأمة مع جامعات عالمية، وإطلاق مسابقات مثل "مبرمج المستقبل" لدعم الموهوبين في القرى الأكثر احتياجًا.
الختام يأتي بسؤال: ما الذي سيجعل هذا الجيل مختلفًا؟ الإجابة تكمن في تحويل المدارس إلى واحات للإبداع التكنولوجي، حيث لا يتعلم الطلاب كيف يستخدمون الذكاء الاصطناعي، بل كيف يصنعونه. فتخيل طفلة في أسوان تُبرمج روبوتًا لري المزروعات باستخدام مستشعرات ذكية، أو شابًا في الإسكندرية يُطور تطبيقًا للكشف عن تزييف الأخبار... هذه ليست أحلامًا، بل نتائج متوقعة عندما نُدرك – كما قال الرئيس السيسي – أن "العلم ليس ترفًا، بل سلاحًا للنهضة". فبدلًا من أن نظل مستهلكين للتكنولوجيا، حان الوقت لتصبح مصر لاعبًا رئيسيًا في صناعتها، والبداية تكون من الفصل الدراسي



#مدير مركز البحوث التربوية السابق

د. مندور عبد السلام فتح الله د الذكاء الاصطناعي ومبادرة الرئيس الجارديان المصرية