خالد درة يكتب : بالعقل أقول...( ماذا بعد رفع العقوبات عن سوريا...!؟)


تعد خطوة رفع الرئيس الاميركي دونالد ترامب العقوبات عن سوريا متغيراً تحولياً كبيراً و تخلط الاوراق في المنطقة خطوة بالغة الأهمية و تبعث برسائل متعددة ليس أقلها في إتجاه طرفين إقليميين أساسيين هما إسرائيل و إيران .. فإسرائيل التي دأبت لا سيما منذ سقوط النظام السوري السابق على محاولة السيطرة على جنوب سوريا و إستباحة قدراتها و تهديد حكمها الجديد تلقّت ما يعتبر بمثابة صفعة عبر الاعتراف الاميركي بشرعية القيادة السورية الجديدة و اعلان تطبيع العلاقات معها و رفع العقوبات و لو أنه سبق ذلك الكلام على تواصل إسرائيلي سوري مباشر لعله ساهم في اقفال مساعي التدخل الاسرائيلي في الملف الدرزي ..
و الصفعة لإيران أكبر لأنها حقيقية و كبيرة و ستضيق الهامش الكبير أمامها للعودة للإ ستثمار الأمني و السياسي في سوريا عبر تجاوب الرئيس الأميركي مع إحتضان الدول العربية لسوريا الجديدة .. و الرسائل الأميركية المباشرة إلى إيران و إلى "حزب الله" كذلك كانت مباشرة عبر إشارة الرئيس الأميركي مرتين إلى مدى إنهاك "حزب الله" لبنان و الحاجة إلى بناء دولة بعيداً منه بإدارة القيادة اللبنانية الجديدة ، و لكن قرار رفع العقوبات عن سوريا يوجه رسالة قوية بمعنى أن واشنطن ليست عازمة فقط على منع إيران من الحصول على سلاح نووي وفق ما قال ترامب نفسه .. بل و أيضاً على لجم الجهود الإيرانية الرامية إلى استعادة "محور المقاومة" عبر تهريب الاموال و السلاح مُجَدداً إلى الحزب الذي لا يزال يمنع قيام الدولة في لبنان .. اذ تأخر خطاب الشيخ نعيم قاسم الاخير بمضمونه الواقعي إلى حد ما ، و طابعه التكتكي الأخير بإعتباره أتى في أعقاب جولة لرئيس الجمهورية العماد جوزيف عون إلى دول الخليج العربي سعياً إلى استعادة الثقة بلبنان و إظهار مسار مختلف يستحق دعم الاشقاء العرب .. هذا الكلام لقاسم كان ينبغي أن يسبق زيارات رئيس الجمهورية ، بعدما ما اعتبر نفسه شريكا مع الدولة اللبنانية ، في الوقت الذي حصد عون استعدادات مبدئية للدعم الخليجي و لكن لم تعلن مشاريع أو استثمارات جديدة لا تزال حذرة في ظل المواقف المتعنتة والمعرقلة للحزب ..حيث وَضَع عون اللبنة التي أدّت إلى الإستخلاص الذي قاله الرئيس ترامب عن الانطباعات التي بات يتركها لبنان برئيسه و حكومته الجديدين ، و لكن تسارع مسار الأمور و طابعها المفاجىء في مقابل عرقلة الحزب ستدفع بلبنان إلى فقدان فرصة النهوض بدءاً من إعادة الإعمار حتى لو أن بيئة الحزب أكثر تضرراً ..
فسوريا التي لم تُنتَزع من الحضن الايراني فحسب بسقوط نظام بشار الاسد بل أُنتزعت أيضاً من إمكان الاعتماد الكلي على الاستثمار الصيني و الروسي ، و هم حلفاء لإيران ، ستكون قبلة الاستثمارات الاجنبية و الاقليمية تبعاً لموقع سوريا و أهميتها الاستراتيجية من جهة و لأن هناك من يعيق أو يعرقل مسار الأمور في لبنان بما قد يجعله في أحسن الأحوال لا يحصل سوى على فتات المساعدات في حال تم إنجاز ما هو مطلوب منه ، و هو أمر لا يزال منتظراً بقوة من القيادة اللبنانية الجديدة .. فالرسالة الاميركية لطهران لم تكن في ما أعلنه ترامب حول رغبته في إتفاق معها تحت وطأة الذهاب إلى المزيد من العقوبات عليها ، بل الرسالة من حجم الكلمة المسموعة للمملكة السعودية لدى الادارة الاميركية وفق ما ظهر في الموضوع السوري و في حجم التبادلات التجارية و الشراكة الاقتصادية التي تجعل من الدول الخليجية متقدمة بأشواط عن إيران في كل المجالات في الوقت الذي تلتصق بإيران وفقاً لتوصيف ترامب صفة " القوة الأكثر تدميراً في الشرق الأوسط ، و النظام الذي تسبب في معاناة لا تُصدق في سوريا و لبنان و غزة و العراق و اليمن و غيرها" و هو ما توافقه عليه دول وشعوب كثيرة في المنطقة .. في الوقت الذي تسلط الاتفاقات الضخمة التي عقدها ترامب الضوء على ما تخسره ايران من جهة و ما تخسره إسرائيل كذلك في تعنتها و تصلبها إزاء الحقوق الفلسطينية .. و ثمة من يقول أن العراق الذي مانعت بعض قواه الشيعية في إستقبال أحمد الشرع في القمة العربية المقبلة في بغداد مُنيت بهزيمة مدوية في ضوء الاحتضان السعودي و العربي له في موازاة الإعتراف الأميركي به و رفع العقوبات عنه .. و هذا من المفاعيل الفورية و الأولية فحسب فيما أن الرهان على نقل الشرع سوريا إلى مكان آخر مختلف و متقدم يبقى رهن تنفيذ الالتزامات التي قطعها ..
و المحك بالنسبة إلى لبنان كبير جداً إنطلاقاً من أن الجديد الذي حملته زيارة ترامب إلى المملكة السعودية ليس مجرد كباش اميركي ايراني يبقي لبنان يعيش في ظلاله و تحت عبائته بل متغيرات كبيرة و جوهرية في ظل إستعدادات لا تزال قائمة لمساعدته كما أعلن الرئيس الأميركي ..
و لكن الأمور قد تتقدم و تتركه وراءها و حتى الآن تمت مراعاة الحزب كثيراً و لم يصدر على المستوى الرسمي ما يحرج الحزب حتى حين عاكس توجهات رئيس الجمهورية في زياراته الخليجية ، في حين أن لا الداخل يمكن أن يظل رهينة للحزب ولا الخارج يقبل بذلك ..