شبراوى خاطر يكتب : العقل العربي.. المريض.. ليس به رائحة العقل


بينما كنت أشاهد للمرة الألف فيلم "إسماعيل يس في الأسطول" سمغت عبارة قالتها القديرة زينات صدقي: "ده عنده حتة مخ.. مافيهوش ريحة المخ".. وكأني أسمعها لأول مرة.. لكن هذا الأمر يندرج تحت ما يُسمى في علم النفس "بالإدراك الإختياري"، أي ندرك المعلومات التي نختار أن ندركها من بين آلاف المنبهات التي نتعرض لها.. فلقد استدعت هذه العبارة مفهوم المخ العربي أو "العقل العربي". استجابة لما أثارته زيارة "الرجل البرتقالي" للقطاع الأكثر ثراءاً مادياً في المحيط العربي الشرقي، والذي بسببه أطرح الأسئلة حول الكيفية التي يعمل بها هذا العقل العربي وكيف يتعامل مع نفسه ومع الآخرين من عقول العرب الآخرين، وكيف يرى عقول الشعوب الأخرى المختلفة عنه.
ووجدت نفسي أستدعى أحداث هذا الأسبوع المكتظ بأخبار "الرجل البرتقالي" وأعماله السحرية لاستلاب وخلب ألباب "العقل العربي" لكي يفرغ خزائنهم من اموال يراها الرجل البرتقالي أنها حق مكتسب له ولبلاده، وهو يعلم تماماً أنهم لا يجرأون أن يروا غير ذلك. ولذلك فهم يردّونها إليه صاغرين عن طيب خاطر، وإن كانت على شكل صفقات تجارية واستثمارية أراها شكلية من وجهة نظري لتمريرها لشعوبهم على أنها مكاسب استثمارية.
ونحن هنا نتحدث عن العقل الجمعي العربي، والذي تتركز بؤرته في منطقة الصحراء والخليج العربي، والدليل على ذلك بأننا في مصر عندما نتحدث عن هذه المنطقة نقول "العرب" ونتحدث عن العرب ونصف العرب وننتقد عِرق العرب ونمدح (أحياناً) تاريخ العرب، لأننا نعتقد في الصميم بأننا "عِرق غير العرب" ولكننا نتحدث اللغة العربية وكأننا ننتمي إلى العرب، وليس بالضرورة أن نصبح من العرب. وهنا يبدأ الجدل حول قضايا الهوية والشخصية والقومية. فكما ان الأتراك المسلمين ليسوا عرباً، ومواطني ماليزيا وإندونيسيا وإيران وغيرهم مسلمون وليسوا عرب.. فبدأت صيحات المناداة من بعض المفكرين المصريين في مصر للعودة إلى الأصول المصرية قبل وضع وصف "العربية" جنب اسم مصر.
وهذا امر جد خطير في هذا العصر.
إن العقل العربي كما هو معلوم يحمل اختلافات واضحة، وإذا وضعنا العقل الجمعي العربي في دائرة المركز نجدها محاطة بدائرة اوسع نطلق عليها "الشرق الأوسط" والتي تحيط بها دائرة أوسع للعالم الإسلامي، والتي تحصرها داخلها دائرة اوسع من باقي ثقافات العالم ودياناته المختلفة والمتحدة بالتحديد على النفاذ والتغلغل داخل دائرة المركز العربية وخاصة منطقة أصل العرب الثرية بموارد لم يصنعوها ولم يجتهدوا لكسبها.
ولن أستفيض هنا بالحديث عن معنى العقل ووظائفه وكيفية تشغيله، ونتائج تشغيله، فهو قليل الاستخدام عند العرب ونستعيض عنه بالإحتكام إلى العواطف منزوعة العقل.
ثم عاد بي هذا التفكير لعام ١٩٨٦. عندما كنت اعمل في وكالة إعلان، وكان مديري عائداً من رحلة إلى كندا، وكان يضع على مكتبه كتاب شدني عنوانه باسم "العقل العربي". وسألته عن هذا الكتاب، فقال هكذا في الغرب يدرسون طبيعة عقولنا، وتتسابق عقولهم لتحليل عقولنا والاستفادة من محاولات التلاعب بها وتشكيلها حسب أهدافهم ومخطاطتهم ومصالحهم، وهكذا ينشرون العلم عن طبيعتنا ليتوارثوا العلم بنا ويطبقون تجاربهم على عقول "فئران" العرب.
الكتاب من تأليف سوسيولوجي أمريكي يهودي من أصل مجري: رافائيل باتاي (1910 - 1996 م) هو يشتهر بهذا الكتاب «العقل العربي» الذي نشر لأول مرة عام 1973م. والكتاب شديد التعصب ضد العرب. وقد نقله إلى العربية المترجم علي الحارس ويمكن تنزيله من الإنترنت بسهولة.
الكتاب يتكون من عدة فصول، والفصل الأول يتناول تحليل سريع ومبسط عن ثلاثة دوائر تؤثر في اهتمامات العقل العربي وهي الإسلام، الشرق الأوسط، والهوية العربية.
وكما يقول "رافائيل بتاي": بأنه كما هو الشرق الأوسط محاط بالعالم الإسلامي فإن العالم العربي محاط بالشرق الأوسط. ويتضمن هذا التحليل الواقع الجغرافي والتاريخي والديني ووضع الأقليات في هذا العالم العربي.
ثم يعود بنا إلى أصل كلمة العرب وكيف وأين نشأوا، وكيف كان يُطلق عليهم بدو الصحراء الذين يرعون الجمال. ويعيشون في الخيام.
وخلاصة القول فإنه يصف الوضع كما يراه وكما يريد أن يريه للآخرين فيقول: "إن وجهة النظر العربية حول العالم يمكن تمثيلها بثمرة تتكون من ٣ أقسام، ففي المركز هنالك النواة والجزء الأعز هو العالم العربي، ثم يحيط به لب الثمرة وهو العالم الإسلامي الذي يغلف النواة العربية بما يشبه الغطاء الواقي ثم في الخارج تأتي القشرة: العالم غير الإسلامي." وكان نتيجة دراساتهم أن وضعوا جرثومة فيروسية صهيونية في قلب نواة العرب وأصابوه بالعطب والخلل
ولأن هذا الموضوع اكبر واعمق من ان يُختصر في مقال واحد محدود، فلسوف نقدم توابعه في مقالات قادمة بإذن الله.
والجدير بالإنتباه هنا هو أن هذا الفكر والتحليل الذي يقدمه منظروا وعلماء الغرب وعلى وجه الخصوص اليهود والصهاينة منه، هو الذي يمهد وضع سياسات واستراتيجيات تستهدف التحكم والسيطرة والتلاعب بالعقل العربي "اللي مافيهوش ريحة العقل".