السبت 24 مايو 2025 01:44 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

دكتور علاء الحمزاوى يكتب : تَراحَمُوا.. والتراحُم بين الزوجين أوجب!

دكتور علاء الحمزاوى
دكتور علاء الحمزاوى

ــ من القيم الإنسانية في الإسلام قيمة "التراحم"، ومعناه أن يتراحم الناس فيما بينهم، أي يرحم بعضهم بعضا، ففي الحديث "جعل اللهُ الرحمةَ مائةَ جُزءٍ، فأمسك عنده تسعةً وتسعين جزءًا، وأنزل في الأرضِ جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزءِ يتراحمُ الخلقُ حتى ترفعَ الفرسُ حافرَها عن ولدِها خشيةَ أن تُصيبَه"، ومفهوم الرحمة هنا واسع يحمل معاني الرقة والرأفة والمغفرة والصلة والنعمة والبركة واللطف والعطف والخير والتسامح والعطاء، وبهذه المعاني يكون إسلامنا كله رحمة، استمدها من الله ومن القــرآن ومن النبي، فالله هو {الرَّحْمَٰن الرَّحِيم}، قال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}، وقال عن القرآن: {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤمِنِينَ}، وقال للنبي: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.
ــ فوجب أن نكون أهل رحمة؛ وهذا ما حـثَّ عليه الإسلام؛ ففي الحديث "لَنْ تُؤْمِنُوا حتى تراحمُوا قالوا: يا رسولَ اللهِ كلُّنا رَحِيمٌ، قال: إنَّهُ ليس بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صاحبَهُ، ولَكِنَّها رَحْمَةُ العَامَّةِ" أي رحمة كل الناس، وهذه هي عظمة الإسلام! ورغَّب النبي في التراحم فقال: "الرَّاحِمونَ يرحَمُهم الرَّحمنُ"، ورهَّب من قطعه فقال: "لاَ يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ"، فالتراحم بين الناس واجب، وهو بين الزوجين أوجب؛ لأن الزواج سكن ومودة ورحمة، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}، والسكن هو كل ما يؤدي إلى الاستقرار مثل حسن العشرة والطمأنينة والأمان وهدوء النفس، والمودة هي المشاعر الطيبة المتبادلة بين الزوجين وهي أرقى مظاهر الحب، والرحمة هي كل ما يؤدي إلى قــوة الترابط بين الزوجين كالعفو والبـر والتسامح والتغافل والتنازل والتعاطف والعطاء والإيثار والتضحية.
ــ فيجب أن يتراحم الزوجان فيما بينهما بأن يتقي الزوج ربه في زوجته بتأدية حقوقها المادية والمعنوية ولاسيما المشاعر الصادقة وحُسن المعاملة والتوسعة في الإنفاق، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}، والقوامة رعاية وإدارة لا هيمنة وسلطة، وفي الحديث "قلتُ: يَا رَسُول اللَّه، مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَن تُطْعمَها إِذَا طَعِمْتَ، وتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلا تَضْربِ الْوَجْهَ، وَلا تُقَبِّحْ وَلا تَهْجُرْ إِلا في الْبَيْتِ"، ويجب أن تكون الزوجة مطيعة ودودة لطيفة العشرة مع زوجها كثيرة الاعتناء به، "سُئِلَ النبي عن خيرِ النِّساءِ فقالَ: الَّتي تُطيعُ زوجَها إذا أمرَ، وتسرُّهُ إذا نظرَ، وتحفظُهُ في نفسِها ومالِهِ"، ولتعلم المرأة أن طاعة الزوج مقدَّمة على طاعة الأب، بل إن طاعة الزوج من طاعة الرب، ففي الحديث "والَّذي نَفسُ محمَّدٍ بيدِهِ لا تؤدي المرأةُ حقَّ ربِّها حتَّى تؤدِّيَ حقَّ زوجِها"، وعندئذ يتحقق التراحم.
ــ يجب أن يكون كلاهما سترا للآخر، قال تعالى: {هُـنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}، فاللباس الستر، والتعبير يدل على شدة الالتصاق، فكلاهما ستر للآخر عن كل عيب، ويحتمل أن اللباس بمعنى السكن، قال الله: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} أي سكنا واستقرارا وهدوءا، وهذا يعني أن كلا الزوجين ستر وسكن للآخر، ويجب أن يتعامل كلاهما بالرفق، ففي الحديث «إِذَا أَرَادَ الُله بِأَهْـلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَـلَ عَلَيْهِمْ الرِّفْـقَ»، وما ضرب النبي بيـده أحـدًا لا زوجـة ولا خادمًـا، بـل كان إذا غضـب سـكت، وإذا ضـاق صـدره خـرج، وإذا وعـظ رقّـت كلماتـه.
ــ من التراحم ‏إلقاء السلام عند دخول البيت للإيناس والاطمئنان، ففي الحديث "يا بُنَيَّ إذا دخَلتَ علَى أهلَكَ فَسَلِّمْ يَكُنْ بَرَكَةً عليكَ وعلَى أهلِ بَيْتِكَ"، وفي الحديث "ثلاثةٌ كلُّهم ضامنٌ علَى اللَّهِ إن عاشَ رُزِقَ وَكُفيَ وإن ماتَ أدخلَهُ اللَّهُ الجنَّةَ: مَن دخلَ بيتَهُ فسلَّمَ فَهوَ ضامنٌ على اللَّهِ، ومَن خرجَ إلى المسجِدِ فَهوَ ضامنٌ علَى اللَّهِ، ومَن خرجَ في سبيلِ اللَّهِ فَهوَ ضامنٌ على اللَّهِ"، فتراحموا يرحمكم الله.
ــ يجب أن ينظر كلاهما للآخر بعينين لا بعين واحدة، والمراد بالعينين عين ترى العيوب وأخرى ترى المحاسن، ولْيكُن التركيز على المحاسن عملا بحديث "لا يَفْــرَك مؤمن مؤمنة، إنْ كره منها خُلُقًا رضِي منها آخر"، وليتذكر كلاهما قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}، فالزوج الكريم الخُلُق لا يعاتب زوجته عند كل هفوة، ولا يؤاخذها عند كل زَلّة، إنما يلتمس لها العُذر، ويحسن بها الظن، ويقدِّم لها النصح، وكذلك تصنع هـي معه، فيتحقق التراحم بينهما.