السبت 24 مايو 2025 06:45 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د. كمال يونس يكتب: دليل فن التحطيب.. لعبة الرجال

دكتور كمال يونس
دكتور كمال يونس

يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على فن التحطيب، هذه اللعبة الشعبية المصرية العريقة المتوارثة عن الأجداد، والتي حظيت مؤخراً باهتمام محلي ودولي، بما في ذلك إدراجها ضمن قوائم اليونسكو للتراث العالمي غير المادي. من خلال استعراض ما نُشر في الكتب والصحف وآراء كبار ممارسي هذا الفن، سأحاول الكشف عن أسرار هذه اللعبة والفن بدقة وبساطة.

التحطيب
سميت هذه اللعبة الشعبية الأصيلة بالتحطيب لأنها كانت تُلعب في البداية بالحطب، ثم بالعصا الغليظة (النبوت). يُطلق عليها في الصعيد اسم "لعبة القلاوي"، بينما تُعرف في الوجه البحري بـ"لعبة العصا". توارثها المصريون عبر الأجيال عن أجدادهم القدماء، ويُجيدها أبناء الصعيد ويمارسونها في حفلاتهم وأفراحهم، مصحوبة بالرقص على أنغام المزمار البلدي.

تاريخياً
"التحطيب".. لعبة مصرية فرعونية خالصة منذ آلاف الأعوام، نقوشها متعددة على جدران المعابد المصرية القديمة والمقابر الملكية. ظهرت للمرة الأولى في عهد الملك حورس الثاني بالأسرة الخامسة، كوسيلة لتدريب الجنود الفراعنة على القتال بالسيوف، باعتبارها لعبة قتالية تُظهر قوة وشجاعة من يمارسها.
استمر وجود التحطيب طبقاً لجداريات معابد الكرنك ومقابر وادي الملوك والملكات في الأقصر (جنوبي مصر) حتى الأسرة الفرعونية التاسعة عشرة. فقد كانت لعبة تدريب رئيسية لجنود الجيش أيام الفراعنة لتعليم المبارزة بالسيف، واستمرت كلعبة قتالية حتى عهد المماليك. إلا أنها خلال المئتي سنة الأخيرة تحوَّلت إلى لعبة استعراضية واحتفالية تراثية، تحرص قبائل الصعيد على إقامة فقرات لها في كافة المناسبات المبهجة، مثل الموالد وحفلات الزفاف والنذور والطهور، بالإضافة إلى تخصص فرق شعبية في تقديمها بأشكال مختلفة.

وهي فن يُعبر عن الأصالة، ومصطلح يشير إلى فنون القتال التقليدية بالعصي المستمدة من الأصول المصرية القديمة، والمعروفة أصلاً باسم «فن النزهة والتحطيب» (أي فن الاستقامة والصدق من خلال استخدام العصا). سجلت اليونسكو التحطيب كتراث ثقافي عالمي غير مادي منذ عام 2016. منذ ذلك الحين، زاد الاهتمام عربيًا ودوليًا للتعرف إلى لعبة التحطيب وقواعدها وطقوسها، ثم أصبحت لعبة شعبية للشباب والأطفال، مما يؤكد رسوخها وامتدادها كتراث أصيل لأهالي الصعيد. لاحقًا، تطورت النسخة العسكرية الأصلية من التحطيب إلى رقصة شعبية مصرية بعصا خشبية.
يُطلق على "التحطيب" في صعيد مصر "لعبة الرجال"، فهي اللعبة التراثية الأكثر شهرة وانتشارًا في كافة احتفالات الأهالي هناك، حيث تُجسِّد معنى الشجاعة وتعكس قوة ممارسيها. وهي في الوقت نفسه تُعدّ طريقة للدفاع عن النفس في الصعيد والمناطق المنتشرة بها اللعبة الخالدة التي لن تندثر، لأنها من مفردات الحياة اليومية في الريف سواء بالصعيد أو الوجه البحري.
تجد هذه اللعبة محبة وقيمة كبيرة بين الصعايدة، وليست مجرد لعبة لشخصين يتنافسان بالعصا، بل هي فن وتراث يحمل قيمًا عديدة، منها تعلم كيفية الدفاع عن النفس، ووسيلة لتفريغ الطاقة، وتعزيز الأدب والاحترام المتبادل.
لذلك، أُطلق عليها اسم "لعبة الرجال" فقط، إذ إنها أحد الفنون التراثية الأقدم في تاريخ الصعيد، تعلمها كبار ومشايخ وشباب الصعيد على مر العصور من الأجداد القدماء المصريين. والدليل على ذلك الرسومات واللوحات الموجودة على المعابد القديمة.

الدفاع عن النفس
اللعبة في الأساس مخصصة للدفاع عن النفس. كان الصعيدي قديمًا لا يسير في الطرقات أو الشوارع نهارًا وليلاً إلا بالعصا بين يديه لحماية نفسه من اللصوص وقطاع الطرق والحيوانات المفترسة في المزارع خلال مواسم الزراعة المختلفة. وقد حولها كبار المشايخ إلى لعبة تراثية متميزة سُجلت في اليونسكو، وأصبح لها مهرجان سنوي في الأقصر منذ خمسة عشر عامًا مضت.
أهم ما يميز اللعبة أنها تُعطي القوة والثقة بالنفس والقدرة على الدفاع عن الفرد والجماعة والزهو والفخر والانتصار. ويُلاقي مهرجانها نجاحًا كبيرًا لأنها اللعبة الشعبية المحبوبة لدى أبناء الصعيد والأقصر. يُشارك اللاعبون في جولاتها ويفصل بينهم شيوخ اللعبة كحكام، ثم يعقب ذلك عروض تحطيب لفرق الفنون الشعبية المشاركة في المهرجان بأرقى ألوان الفن الشعبي.

قواعد وأخلاقيات ممارسة لعبة التحطيب
أساسيات وقواعد اللعبة تقوم على الاحترام والأدب المتبادل بين الجميع. وقد تم مؤخرًا إدخال بعض التطوير على اللعبة خلال القرن العشرين، بإدخال الشومة بدلاً من العصا والحطب الصغير.
تتم لعبة التحطيب في إطار أخلاقي من الاحترام بين اللاعبين والجمهور، إطار منظم ومرتب ومعروف، يتركز على عدة نقاط أساسية:
* تجمع الجمهور: لا يبدأ اللعب إلا بعد أن يتجمع الجمهور.
* تحية الزمار: يبدأ اللاعب فقرته بتحية رئيس الزمار.
* المصافحة بالعصا: هي أول قواعد افتتاح لعبة التحطيب داخل الحلقة الدائرية، ودونها لا يمكن أن تبدأ اللعبة، وتكون كبديل عن السلام باليد.
* احترام كبار السن: من قواعد وأصول التحطيب احترام كبار السن، وعدم رفع العصا قبلهم، وعدم المبادرة بالضرب على عصاهم إلا بإذن منهم.
* قراءة الفاتحة: تُقرأ الفاتحة في بداية الحلقة ونهايتها.
* الوضوء واللعب حافيًا: كان قديمًا الوضوء ضروريًا واللعب حافيًا، لكن حاليًا قليلاً ما يُطبق هذان الشرطان.
* افتتاح الحلقة: يكون افتتاح الحلقة لصاحبها إن كان لاعبًا للتحطيب، أو لأحد كبار اللاعبين، سواء في حفل زفاف أو في مولد.
القاعدة الأساسية بإجماع كل من يلعبون التحطيب هي "الأدب"، أي احترام من يلعب أمامك خصوصًا كبار السن، وبعدها تميز بما شئت.
بعد ذلك، تنطلق فعاليات اللعبة بضربات افتتاحية يوجهها الأكبر سنًا ليرد عليه الآخر. ثم يتبارى اللاعبان في التحطيب، كل يستعرض مهاراته في مبارزة قد تستغرق دقيقة واحدة وقد تصل لأضعاف ذلك، مع التحلي بالهدوء والتحكم في العصا وتجنب الإساءة للخصم، والحرص على عدم تجاوز القواعد.
* تجنب الإساءة الجسدية: يجب ألا تُسقط عمامة الخصم، وألا تضربه في الأطراف على الأيدي أو الأقدام من الأسفل. وحين يسقط الخصم لا يجوز التعدي أو الإجهاز عليه.
* نهاية اللعبة: تنتهي اللعبة بتوجيه ضربة النهاية التي تحسمها، أو يتم إنهاؤها من قبل القائم على إدارة اللعبة عندما يشعر بأن هناك انفعال بين اللاعبين. تنتهي الفقرة ويسلم كل منهم على الآخر وسط حضور الجمهور ولجنة التحكيم، لتنتهي اللعبة بمحبة وسلام بين جميع الأطراف.

تكريم الفائزين
يُوزع حلوى (الأرز باللبن) على الحاضرين عقب الإعلان عن الفائزين في حلقات التحطيب، والذين يتقدم كل رموز العائلات لمصافحتهم وتهنئتهم بالفوز. ويُطلق على كل لاعب لقب أبو زيد الهلالي (أشهر فرسان السيّر الشعبية في صعيد مصر)، كما تتباهى عائلات الفائزين بأن لديها مبارزين شجعان وأقوياء.
التحطيب لعبة شعبية ليس فيها فوز وخسارة بالمعنى المعروف أو تكريم مادي، باستثناء مهرجاني دراو والأقصر القومي، حيث يكون التكريم شرفيًا عبارة عن ميدالية نحاسية وشهادة تقدير ومبلغ مالي بسيط.
أخلاقيات يجب توافرها في اللاعبين
* التحلي بالصبر والأخلاق الحميدة: شرطان أساسيان يجب أن يتحلى بهما الشخص الذي يود أن يلعب التحطيب.
* التواضع وعدم الغرور: يؤمنون بيقين أنه سيأتي من يفرض عصاه عليك، فلا مكان للباطل في العصا. ومن تعلمها وأراد استخدامها في شر أخزاه الله، ولو نوى على ضرب أحد بغير وجه حق، ضُرب دون أن يدري كيف ذلك، لأنها فن الفتوات. هي لعبة مباركة ولعبها الأنبياء والأولياء، كالإمام العربي، فهي هبة لا يعطيها الله لـ"باطل" يريد شرًا.
* الاحترام المتبادل:
* التحية: يبدأ اللاعبون المبارزة بتحية لبعضهم البعض، مع احترام كل منهم للآخر.
* تجنب الإساءة: يحرص اللاعبون على عدم تجاوز القواعد، وتجنب أي إساءة لفظية أو جسدية للخصم أو الجمهور.
* الاحترام المتبادل: يُظهر اللاعبون الاحترام المتبادل في جميع مراحل اللعبة، سواء قبل أو أثناء أو بعد المباراة.
* الهدوء والتحكم:
* هدوء اللاعبين: يجب أن يكون اللاعبون هادئين ومرتاحين، وأن يتحكموا في عصاهم بشكل جيد.
* التركيز: يجب أن يكون اللاعبون مركزين في اللعبة، وأن يركزوا على الحركة والتوازن.
* عدم الغضب: يحرص اللاعبون على عدم الغضب أو العصبية، وأن يكونوا قادرين على السيطرة على انفعالاتهم، وعدم تجاوز القواعد.
* عدم الاستفزاز: يحرص اللاعبون على عدم الاستفزاز أو إثارة الخصم، وأن يكونوا على استعداد للتجاوب معه.
* عدم اللجوء إلى العنف: يحرص اللاعبون على عدم اللجوء إلى العنف أو الإيذاء، وأن يكونوا قادرين على السيطرة على عصاهم.
* التحلي بالصحة النفسية والروحية والجسدية:
* المحافظة على السلام النفسي: يجب أن يكون اللاعبون في حالة صحية نفسية جيدة، وأن يكونوا قادرين على التحكم في انفعالاتهم.
* تجنب الخلل النفسي: يجب أن يتجنب اللاعبون أي خلل نفسي، وأن يحرصوا على الحفاظ على توازنهم النفسي.
* التحلي بالصحة الجسدية: يجب أن يكون اللاعبون في حالة صحية جسدية جيدة، وأن يكونوا قادرين على تحمل الضغط البدني.
باختصار، أدب لعبة التحطيب يعتمد على الاحترام المتبادل والهدوء والتحكم في النفس والعصا، وتجنب أي إساءة أو تجاوز للقواعد. كما يجب على اللاعبين أن يكونوا في حالة صحية نفسية وجسدية جيدة، وأن يحرصوا على الحفاظ على توازنهم النفسي.
مواصفات وأنواع العصي
يوجد في حلقات المبارزة بالتحطيب نوعان من العصي: العصا الكبيرة الغليظة التي تُستخدم بصورة كبيرة في الأقصر وقنا وأسوان، والنوع الثاني هو العصا الخفيفة التي يُستخدمها في العروض الفنية لفرق قصور الثقافة وغيرها. من القواعد أيضًا أن تكون العصا بطول لا يزيد عن 150 سم. يتم تنظيم الحلقة في مساحة تتراوح ما بين 20 إلى 30 مترًا، ويجلس الجميع حولها في حلقة بالكراسي والكنب الصعيدي. التحطيب في الأساس مبارزة شريفة على أنغام المزمار، حيث يبدأ المتنافسون المبارزة بالتحية أمام الجمهور، ومن ثم يدورون في حلقات حول بعضهم البعض حتى بدء تسديد الضربات البسيطة دون ضرر لأحد.

قواعد الأمان في ممارسة اللعبة
تتوقف المهارة في لعبة العصا على مرونة مفصل اليدين، وسرعة حركة العصا، والخطط المحكمة التي يضعها اللاعب كي يحمل خصمه على كشف جسمه. المشاركة في التحطيب يجب أن تكون وفق قواعد تُتعلم قبل البدء في مسك العصا ودخول حلبة اللعب مع المتبارزين، حتى يستمتع الشخص باللعبة بدلًا من الخروج مصابًا جراء ضربة خاطئة. أول هذه القواعد الحفاظ على النفس وإتقان مواجهة أي ضربات تواجه اللاعب من الخصم، ولن يتحقق ذلك إلا بتعلم مواطن الضرب وأماكن توجيه الضربات، وبعدها يجب أن يُجيد اللاعب صد الضربات من الخصم.
كانت العصا قديمًا لا يمارسها سوى الفتوات، لأن التحدي كان يظهر جليًا فيها، وكان عدد من يلعبونها قليلًا للغاية، نظرًا لما يروه من شراسة وغلظة في حلقات التحطيب. إلا أنه منذ نحو 25 عامًا، بدأ الشباب يُقبلون عليها وأُحيت من جديد بعد أن أوشكت على الاندثار.
إن لعبة العصا من اللعبات العنيفة التي كانت تُعرض من يلعبها للخطر في السابق، ولكن مع تطور الزمن، قام الكبار باحتضان فكرة الأدب والتحلي بالآداب العامة في اللعب بين الكبار والصغار خلال التحطيب. تنقسم لعبة العصا إلى: ثلث للأدب وثلثين للصنعة والفن في التحكم بالعصا. ومن يمتلك الصنعة والفن في اللعبة ليس كافيًا ولا يُغني عن الأدب في اللعب مع الكبير أو الصغير، فالاحترام هو كلمة السر في هذه اللعبة الأشهر بالصعيد. ومن أهم شروط لاعب العصا أن يكون شديدًا في الإمساك بالعصا والتحكم بها، فالضعيف ليس له مكان فيها. هي لعبة الرجال، ولو دخلتها النساء سيتوقف الجميع عن لعبها، لأنها لعبة خاصة بالرجال فقط، فالصعايدة يرون أنها لعبتهم ولا يصح أن تدخل الأنثى في حلقة التحطيب وتمسك بالعصا أمام الرجال.

البعد الصوفي
يعتقد أهل الصعيد أن لعبة العصا فرعونية ظهرت في المعابد، حيث كان يلعبها نبي الله سيدنا موسى ونبي الله هارون شقيقه، فقد كان يهش بها على غنمه وله فيها مآرب أخرى، وهو أنه كان يلعب بالعصا ويتسلى بها مع شقيقه خلال رعي الغنم.
يتجمع جميع لاعبي التحطيب في الموالد الصوفية والدينية في سوهاج والأقصر وقنا وأسوان، وهذا هو السر في المحبة بين اللاعبين والتجمعات الدائمة. يتجمعون بعد التعليم في الموالد الدينية والمناسبات السعيدة لتقديم حلقات العصا، حيث تكون العصا من الخيزران لكي لا تُقصف وتكون لينة خلال اللعب في الحلقات. ومن أهم التعليمات أن يكون الدفاع عن النفس هو الأساس، ولكن بسلاسة ومرونة وهدوء، وألا يبدأ أحد بالغلط حتى لا تتحول من لعبة إلى معركة. فهي فن مميز وتراثي ويجب أن يعيش لعشرات السنين القادمة.

الأزياء والعصا
ارتداء جلباب بلدي والحضور بعصا خيزران، بمثابة مفتاح الدخول لحلقة التحطيب، ودونهما لا يمكن المشاركة في فعاليات اللعبة الشعبية التي يرجع تاريخها لقدماء المصريين، كما تُشير إلى ذلك النقوش الفرعونية التي تُزين جدران بعض المعابد بمحافظتي قنا والأقصر، اللتان تُعدان من أكثر المحافظات حرصًا على إقامة حلقات للتحطيب حتى الآن، رغم اختفائها في محافظات أخرى.
لعصا اللعب شروط، وهي أن تكون من الخيزران ولا يزيد طولها عن 150 سم، وأن تكون العصايتان بنفس الطول والوزن. أما بالنسبة لزي التحطيب فالجلباب الصعيدي هو المفضل في اللعب، لأنه واسع فضفاض يُعطي فرصة للاعب أن يتحرك بحرية وبخطوة واسعة، إضافة إلى جماله أثناء اللعب. زي الجلباب موحد في كافة أنحاء الصعيد، عدا اختلاف وحيد بين جلباب كبار السن الذي يكون ذو أكمام واسعة تصل أحيانًا لنصف متر أو أقل من ذلك، وجلباب الشباب فأكمامه لا تتجاوز 15 سم.
أما لفة العمامة فتختلف من قرية لأخرى، لكن اللون موحد وهو الأبيض. وهناك قرى بعينها لها لفات خاصة مثل دندرة، ويتميزون بلفة ذات مظهر جمالي، ولا يتجاوز الشاش 2 متر أيضًا، ويتميزون بالجلاليب البيضاء. أما لفة عمامة دراو، فتكون كبيرة مقارنة بباقي القرى، حيث يصل طول الشاش نحو 5 أمتار.

مكان اللعب
أما عن مكان اللعب، فأي مكان ذو سطح مستوٍ ومربع ومساحة واسعة تصل لأكثر من 25 مترًا مربعًا يُناسب. ويُفضل ممارستها على المزمار الصعيدي. تبدأ بأن يُسلم كل من اللاعبين على بعضهما البعض بالعصا ثم يبدأ اللعب. وليس هناك وقت محدد للدور، فالدور الواحد يتراوح ما بين دقيقة حتى ثلاث دقائق. وعند الانتهاء يتدخل أحد اللاعبين من الخارج ويقول "سو"، وتعني "هات العصا"، لكن لا أحد يعرف أصلها، بيد أن مؤرخين يُرجعون أصل المسمى إلى فرعوني، لأن أصل اللعبة فرعوني.


أنواع ومسميات الضربات
لعبة التحطيب فردية، والانتصار فيها يكون بإحراز ما يسمى "الباب"، وهو أن يوصل أحد اللاعبين ضربة في جسد الآخر، ولا يُشترط أن تصل الجسد بل يكفي أن يشير على المكان "الفاضي" فقط دون أن يضربه، والمحترف هو من يوصل ضربته أو بابه في الرأس.
وأخطر ضربة في التحطيب هي "الفرادية"، وتكون بيد مفردة لأنه لا يمكن إيقافها، بل لا بد أن تصل الرأس. وتكون خسائرها كبيرة، لذلك يحرص لاعبو التحطيب على عدم اللعب بها إلا إذا اضطر لذلك في حالات استثنائية.
ثم تأتي ضربة "الفرش"، وتكون بضرب البطن بطرف العصا، ولا بد أن تكون بالإشارة فقط، لأنه إذا وصلت هذه الضربة فستُخرج أحشاء الخصم وتكون النهاية، لذلك لا يلعبها أحد إلا للإشارة فقط. أبواب العصا كثيرة، فعدد عظام الإنسان 206 عظمة، ولكل عظمة "باب".
النغمات الموسيقية والمدة الزمنية لحلقة التحطيب
المزمار البلدي والطبلة من ضروريات لعبة التحطيب، التي يجب الاتفاق عليها وتوفيرها، قبل انطلاق فعاليات لعبة التحطيب. فهي التي تُحفز اللاعبين لاستعراض مهاراتهم وقدراتهم خلال اللعبة، كما تُضفي نوعًا من البهجة والمرح بين الجمهور الذي يأتي من مختلف البلاد للاستمتاع بحلقات التحطيب.
لا بد أن تُقام اللعبة على إيقاع الموسيقى الشعبية والمزمار الصعيدي لتحميس اللاعبين والمشجعين، حيث تُعزف نغمات كثيرة مثل أنغام سيرة أبي زيد الهلالي، وموسيقى مسلسلي (ذئاب الجبل) و(الضوء الشارد)، وموال (شفيقة ومتولي)، و"عيون القلب"، و"إيه العمل يا أحمد". لكن هناك نغمات شهيرة مثل "صابر"، و"التلت تلاتات"، و"الدوابة".
كل لاعب له نغمة مفضلة يطلبها من الزمار بعد أن يُنقطه بالمال، كلٌ حسب قدرته. ويستمر فريق الزمارة حتى نهاية حلقة التحطيب، والتي غالبًا ما تكون لنحو أربع أو خمس ساعات، يتم أخذ راحتين: الأولى أثناء صلاة المغرب وتستمر لنحو نصف الساعة، ثم يستأنفون مرة أخرى ويأخذون راحة أخرى أثناء صلاة العشاء، ويُعاودون العمل مرة أخرى حتى الساعة التاسعة أو العاشرة. وفي الموالد الكبرى تستمر حتى الثانية عشرة ليلًا.
مواصفات عصا التحطيب وضوابط استعمالها
هناك قواعد معينة لإمساك العصا التي يجب أن تكون قبضاتها 9 قبضات حتى يتمكن اللاعب أو المبارز من إمساكها بشكل جيد:
* إمساك العصا من الأسفل أثناء السلام أو الضرب على عصا المبارز.
* ترك 3 قبضات حال تلقي ضربات من اللاعب المنافس.
* مراعاة الابتعاد عن الحوائط والأشجار حتى يتمكن اللاعب من إطلاق العصا والتحرك بحرية، ودون أي عوائق.
* ضرب العصا في الأرض يعني انتهاء اللعب أو التبديل مع لاعب آخر.

مصطلحات التحطيب المتداولة والتحكيم
هناك مصطلحات كثيرة تتردد أثناء اللعب مثل "خازنة" وهي أن العصا في وضع الضرب، و"طالقة" أو "غادرة" وهي أن رد الفعل سيكون شديدًا، و"تقليب" وهو تحريك العصا باستمرار. التحطيب لعبة مسلية "فرايحية" يحكمها قانون عرفي تسري أحكامه على اللاعبين وقت اللعب، لكن الاحترام والأدب هو القانون الأقوى في هذه اللعبة التي يلعبها المصريون في المناسبات السعيدة، كالأفراح أو الموالد، مثلها مثل الفروسية. لا تخضع المشاكل أو الإصابات الناتجة أثناء اللعب للقانون العادي، فإذا حدث وتُوفي شخص أثناء اللعب نتيجة ضربة خاطئة لا يكون هناك ثأر، ومن يلعبها يعلم هذا الأمر تمامًا.
التحطيب اللعبة الشعبية
تهدف الألعاب الشعبية إلى المساهمة في تكوين الشخصية الناضجة المتكاملة للشباب، وإتاحة الفرصة للمواطن في جميع مراحل عمره لتنمية استعداداته وقدراته، ومقابلة احتياجاته الأساسية البدنية والنفسية والعقلية، وإدماجه في المجتمع بحيث يتفاعل مع من حوله تفاعلاً إيجابيًا منتجًا يعود عليه بالنفع ويخلق فيه عنصرًا إيجابيًا فعالًا يؤدي رسالته كاملة نحو مجتمعه.
وتحقق الألعاب الشعبية هذه الأهداف لما تنطوي عليه من المميزات الآتية:
* التنوع: فمنها الألعاب الصغيرة والكبيرة، الفردية والجماعية، الهادئة والكثيرة الحركة، الداخلية والخارجية، كما أنها متدرجة ففيها ما يصلح لكل الأعمار والقدرات.
* البساطة: لا تحتاج لمعدات خاصة أو أدوات رياضية معقدة، كما أنها لا تحتاج إلى ملاعب خاصة.
* الجاذبية: لها طابع محبب يستهوي اللاعبين لما تهدف إليه من إظهار المهارة والقوة وسرعة البديهة.
* سهولة الإشراف: لا تحتاج لنوع خاص من المدربين أو المشرفين، بل يمكن أن يقوم بعض اللاعبين بالقيادة والإشراف.
* تنمية المهارات: لا تحتاج لأي استعداد خاص أو مهارات زائدة، بل هي التي تُربي المهارات.
* سهولة الفهم والأداء: بسيطة في فهمها وفي أدائها، وتحكمها قوانين سهلة.
* التشويق: تُعد مشوقة وتدعو للإقبال عليها.
* الشمولية: سهلة في متناول الجميع، فلا يشعر أحد بعجزه إزاءها.
* التوافق البيئي: مناسبة للبيئة ولعادات أهلها وتقاليدها لأنها نابعة منهم.
* الاقتصادية: قليلة التكاليف، بل إن بعضها لا يُكلف شيئًا وهذه حقيقة اقتصادية.
* التحفيز العقلي: تعمل على تمرين وتنمية سرعة الخاطر وحضور البديهة.
إذن، لعبة التحطيب من الوجهة الفنية هي اللعب بالعصا على الطريقة المصرية للمنافسة بقصد إظهار المهارة والرشاقة وسرعة الخاطر والقوة والدفاع عن النفس. يلعبها المصريون (فلاحين وصعايدة) في المناسبات القومية والتاريخية والدينية كأعياد الفطر والأضحى وشم النسيم ووفاء النيل ومولد النبي ومولد الأولياء، بل يتعدى هذا إلى الحفلات والأفراح والليالي الملاح. يتسابق أبطال اللعبة في البلاد والمراكز والمحافظات إلى الاشتراك في لعبة العصا في حلقات اللعب الشعبي في هذه المناسبات ليُظهروا براعتهم وجميل فنهم في هذا النوع من المهارات الشعبية. ومن طقوس حلقات التحطيب في قرى الصعيد أن يُدعى إليها جميع رموز العائلات والقبائل والشباب، فحلقات التحطيب هي الفعاليات الشعبية المشتركة لدى جميع القرى والمدن في كافة المناسبات المبهجة، كالموالد وحفلات الزفاف والسبوع والأعياد القومية.
في الصعيد، يبدأ تعلم اللعبة من نعومة الأظافر حتى يتحد اللاعب مع العصا ويشعر أنه ملتحم بها. يفتخر الشباب بلعبة التحطيب ويعتبرونها لعبة الرجال ويتوارثونها لما فيها من متعة يشعر بها اللاعب حين يتراقص بخفة وقوة على أنغام المزمار البلدي في الحفلات والمناسبات.

تطور اللعبة
الصورة النمطية عن اللعبة لدى الكثيرين أنها عنيفة، تُسفر ممارستها عن إصابات وضحايا. وهذه الصورة كانت بالفعل في عهد فتوات المماليك، وكثيرًا ما يجري تجسيدها في الأفلام المصرية. لكنها في عهدها الحالي لعبة استعراضية لها قواعد وأصول ولجان تحكيم معتمدة.
لعبة التحطيب لها أصول وآداب متوارثة، مُجملها أدب وأخلاق، وعافية (قوة) وفن، وأخيرًا ذكاء ونباهة.
أكثر ما يميز محترف التحطيب هو تسديده ضربات نحو رأس الخصم، إذ تُحتسب الضربة الواحدة بثلاث نقاط، وتُسمى (الضربة الفرادية)، حيث يُشترط أن تُوجه في رأس اللاعب الآخر بيد واحدة من دون أن يتمكن من صدها أو تفاديها. لو استمرت هذه اللعبة قتالية خالصة لأسقطت مئات الضحايا يوميًا، لكنها أصبحت استعراضية تُبرز مهارة لاعبيها في الالتزام بقواعدها من دون قتال حقيقي.
تطورت لعبة التحطيب مع تطور المدنية ومع استتباب الأمن، فصارت تهدف دون العراك إلى جمال الحركة ورشاقتها، وسرعة البديهة واليقظة، والمحاورة والمداورة والكر والفر. كما تطورت عصاها من هراوة غليظة، إلى عصا رفيعة المقبض من ناحية وغليظة من الناحية الأخرى، ثم إلى عصا مستقيمة من "الشوم" إسطوانية الشكل متناسبة في السمك والطول، وتدرجت إلى عصا خفيفة رفيعة من الخيزران، ثم من الحديد ثم من الصلب، وهو ما يسمى حاليًا بالسلاح أو الشيش. وتطور معها لاعبها، فأصبح يتصف بالمهارة والخفة والشجاعة والشهامة، وثبات العزيمة وقوة الذراع وطول الباع وعمق النفس، مما جعل كثيرًا من سراة القوم يتخذونها رياضتهم المحببة فوق ظهور الخيل (البرجاس) بدلاً من المقاتلة بالمزراق والسيف. وقد مَهر كثير من اللاعبين في التحكم في العصا واللعب بها، فأصبح لعبهم متعة وفنًا يسران العين والقلب على السواء.

00e0ecb1d7b5.jpg
54752947ca5a.jpg
د. كمال يونس دليل فن التحطيب.. لعبة الرجال الجارديان المصرية