مدحت الشيخ يكتب : عندما نفقد البوصلة


المعرفة هي بمثابة البوصلة التي تحدد اتجاه كلٍّ منّا. المعرفة هي طريق النجاة في عالمٍ بات مخيفًا، مليئًا بالمخاطر من كافة الاتجاهات، ولا يستطيع التغلب عليه إلا صاحب عقل لديه من المعرفة ما يؤهله للنجاة.
القراءة، الثقافة، الدين، والأخلاق ليست ترفًا فكريًا، بل هي أعمدة النجاة الحقيقية. حين يغيب الوعي، تصبح كل الطرق متشابهة، وتضيع الحقيقة في زحام الشعارات، وتصبح الضوضاء أعلى من صوت العقل.
في زمنٍ تسارعت فيه وتيرة التغيرات، لم تعد الجغرافيا كافية لفهم العالم، ولا التاريخ وحده يفسر الحاضر. أصبح من الضروري أن نمتلك أدوات التحليل والنقد والتمييز بين الغث والسمين، بين ما يُقال وما يُقصد، بين من يقودنا وبين من يضللنا.
حين نفقد البوصلة، نقع فريسة للضجيج، ونُساق خلف آراء مستوردة، وتوجّهات مفروضة، دون أن نسأل: لماذا؟ كيف؟ ولصالح من؟ وهنا يبدأ الانحدار.
الإنسان الواعي لا يخشى السؤال، ولا يهاب المعرفة، بل يطلبها من المهد إلى اللحد. يقرأ لا ليُقال عنه مثقف، بل ليحيا حياةً حقيقية. يستند إلى دينه لا كقالبٍ جامد، بل كمرجعية سامية تدعوه للعدل والرحمة والتفكر. يتشبث بالأخلاق لا لأنها واجب اجتماعي، بل لأنها ميزان الإنسانية.
المجتمعات لا تنهض بشهادات مرصوصة على الجدران، بل بعقولٍ تتفكر، وضمائر تتألم، وقلوبٍ تبحث عن الحق والخير والجمال.
نحتاج أن نعيد توجيه البوصلة. نحتاج إلى صحوة معرفية، إلى جيلٍ لا يُخدع بسهولة، ولا ينجرّ وراء العناوين البراقة. نحتاج إلى تعليمٍ لا يقتل الأسئلة، وإعلامٍ لا يصنع الأوهام، وقادةٍ يرون في المعرفة سلطة، لا خطرًا.
لأن من يمتلك المعرفة، يمتلك البوصلة. ومن يمتلك البوصلة، لا يضلّ الطريق.