د. ريهام نبيل حفناوي يكتب : الإحسان مفتاح الرحمة


لن أبرح حتى أبلغ...
"الإحْسَان يفرح القلب، ويشرح الصَّدر ويجلب النِّعم ، ويدفع النِّقم، وتركه يوجب الضَّيم والضِّيق، ويمنع وصول النِّعم إليك، فالجبن : ترك الإحْسَان بالبدن، والبخل : ترك الإحْسَان بالمال". بدءا من مقولة ابن القيم نبدأ قصتنا... من أسمى القيم التي نتعلمها في مدرسة السعادة الإحسان... فالإحسَانُ هو أعلى مراتب الإيمان... الإحسان للجميع، فنحن لنا الظاهر. أما مكنونات الأنفس فهي في علم الله... نسعى كثيرًا وراء هذه القيمة... نتعلمها ونجتهد أن نكون من معتنقيها، ونضع دائمًا نصب أعيننا قول الرحمن "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان"... نتخيل أن المعنى قاصر على جني الثمار من الأرض نفسها الذي زرعت بها، وننسى أن هناك أراضي خبيثة لا تعطيك ثمار ما زرعت بها مهما أخذت من جهدك وتعبك... فمواطن الثمار أنواع كقلوب البشر: قلوب طيبة تحتضن البَذْرَة وتعطينا شجرة أغصانها خضراء وثمارها حلوة ... وتظل طوال حياتها تُقدر البَذْرَة التي اختارتها موطنا... ومواطن خبيثة ملعونة زرعها شيطاني لا حياة لجذور فيها... لا ثمار لها حتى الحنظل... مواطن تشققت من شدة جفافها... تربة متعطشة لماء الحياة... ويبقى اليقين مفتاح حصول الرحمة للإحسان... وعندما نتجول في طرقات الحياة، ونقلب صفحات الأعمال الأدبية ونطالع القصص الإنسانية (أو اللاإنسانية إن صح التعبير) يبقى استفهام، فإن كان الجزاء من فعل العمل فالبذرة الطيبة تعطي بلا مقابل، ولم تجد جزاء الإحسان إحسانا... شخصية (تارتوف) المنافق في أعمال موليير خير دليل... شخصية أٌحسن إليها… رُحب به في بيت ارجون كواحد من العائلة... أحبته الأم وكأنه ابنها.... وثق به رب العائلة، وائتمنه على زوجته وابنته، وعندما نشب خلاف بينه وبين ابن العائلة الذي حاول أن يكشف حقيقة نية تارتوف الشيطانية... كذبوا الصادق وصدقوا الكاذب، وعاقبوه جزاء فعلته... كوميديا سوداء من القرن السابع عشر حتى يومنا هذا... المشهد نفسه يتكرر... ارجون ووالدته وعائلته لم يجدوا مقابل إحسانهم ممن أحسنوا إليه... وتارتوف لم يعمل بميثاق النجاة "وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ " كشف تارتوف عن وجهه القبيح استولى على أموال العائلة، وكاد أن يسجن رب العائلة التي أحسنت إليه، ولم يترك حتى النساء، بل استحلهم وعدهم ضمن الثروات المستحقة له... كادت العائلة أن تضيع وتٌفقد لولا الرحمة... كشفت السلطات حقيقة تارتوف المنافق الذي قابل الإحسان بنكران الجميل مرات ومرات... فلت من العدالة لمرات كثيرة، ولكن بيت الإحسان نال من غدره... تارتوف الذي أخذ ما لا يستحق من إحسان قٌبض عليه، ونال جزاءه، وعادت الأفراح والسكينة لموطن المحسنين عائلة أرجون... هنا نستوعب القاعدة الحقيقية... هل جزاء الإحسان إلا الإحسان... لا تنتظر الإحسان دائمًا ممن أحسنت إليه... أحسن ولا تجعل حكايات أخر الزمان تحيد قلبك عن طريق الحب... أحسن ففي الإحسان سلامة القلب... أحسن أما المقابل فعند الله رحمة ونجاة... في نهاية المطاف، الإحسان لا يقاس بمقابل، بل هو قيمة جوهرية تعلي شأن المحسن قبل أن تترك أثرًا طيبًا في قلوب الآخرين.... الإحسان أساس في بناء العلاقات الإنسانية... ترياق لداء القلوب... مهما وسوست لك قبائل إبليس، ومهما شعرت من خيبة أمل جراء الإحسان لنفوس غريبة عن مواطني مملكة السعادة فلا تقلع، فإن جزاء الإحسان هو إحسان، حتى لو لم نجنه من الأرض نفسها، فكما تحسن سٌتكرم يومًا ما... لا تتعجل الجزاء "وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ".