طارق محمد حسين يكتب : تربية الطفل في الأسر العربية.


الطفولة مـن المراحـل المهمـة في حيـاة الإنسـان، وإن لم تكـن أهمهـا جميًعـا ، كونها مرحلة تكوين وإعداد، تُغـرس فيهـا البـذور الأولى لمقومـات وملامـح شخصـية الفرد المستقبلية، وتتشكل فيها عاداته واتجاهاته، وتنمو ميوله واستعداداته، و تتحـدد ّ مسارات نموه الجسمي والنفسي والعقلي والوجداني تبعا لما توفره البيئة المحيطة من عناصر تربوية وصحية، ولما تمنحه الوراثة مـن قـدرات واسـتعدادات، ومـن هنـا فقـد أصبحت تربية الأطفال التربية المنشودة والاهتمام بها هـدفًا تسـعى إلى تحقيقـه كـل النظريات التربوية والسيكولوجية والاجتماعية، وأصبح بنـاء الفـرد في الوقـت الحـاضر دليل على تحضر الأمم وتقدمها ، وأخذت الأمم المتقدمـة تهـتم بالطفولـة ُ كمرحلة أساسية ومهمة في حيـاة الإنسـان، إذ أن الملامح الرئيسـية لشخصـيته تتحـدد فيهـا، فضـلاً عـن أنـه يكتسـب قيمـه واتجاهاتـه الأساسـية ، ويـتعلم عاداتـه وأنماطه السلوكية فيها أيضا، فالطفل يتأثر بعملية التفاعل بدرجة أكبر من تأثر البالغ ، إذ ان للسن والخبرة الاجتماعية أثار كبري في هذه العملية ، لهذا فإن العاملين في ميدان التربية وعلم النفس والاجتماع يؤكدون على الأهمية الكبرى لعملية التفاعل هذه لأنها تعد الدعامة الأساسية، ويتشرب الطفل من خلالها الكثير مـن القـيم والعـادات والاتجاهـات والخبرات، ونوع المعاملة التي يتعرض لها، فضلاً عن نوع الانفعالات والعواطـف التـي تسود الأسرة ، لهذا فإن تأثره بهـا يكـون كبـيرا عـلى الطفـل وعـلى مسـتقبله فيما بعـد، فـالأفراد الـذين نتعامـل معهـم في الحيـاة اليوميـة ذوي طبـائع وسـلوكيات مختلفـة ومتباينة، ولعل السبب في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى ّالظـروف الأسريـة التـي مـروا بها ، فأنت تجد الجبان والشـجاع ، الواثـق والمهـزوز، اللـص والأمـين ، الفاشـل والنـاجح، والمضحي ..إلخ، سلوكيات مختلفة ومتناقضة تطالعك كل يوم ، ولـو عـدت إلى دراسة تاريخ كل واحد منهم ، سيظهر لك أن الأسرة هي التي قد ّشكلت هذه الأنماط السـلوكية المختلفـة بصورة كبيرة، وهـي التي أسهمت إلى ٍّحد كبير في بلورة شخصية كل فرد من هؤلاء ، هذا بالإضافة إلى عوامل اخري كوسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونية ووسائل الإعلام المختلفة، إن المشكلة الأساسية التي تواجه التربية الأسرية في مجتمعنا العربي لا بل في أغلب بلدان العالم ،
أساسها هي عدم وجود ( ثوابت تربوية) إن صح التعبير على الأطفال على حد سواء مع مراعاة مبدأ الفروق الفرديـة بـالطبع ، فالتربيـة التـي يتـزود بهـا الطفل من قبل أبيه هي غير التربية التي تريدها أمه، وهناك تنـاقض صريـح وتـأرجح واضـح في الأساليب التربوية التي يعامل بها كل من الأم والأب أطفالهما، وهنـاك تفـاوت واضـح ً أيضـا في أسلوب التعامل مع الأطفال تبعا لترتيبهم العمري والولادي، فما زال الطفل البكر يحظى بموقع متميز داخل الأسرة عن إخوانه الذين يلونه في الترتيب، وما زال الذكر يتمتع بحظـوة كبـيرة عن أخواته البنات، وما زال الطفل الأخير في الأسرة، (آخر العنقود) هـو الطفـل المـدلل الـذي تعـده الأسرة (كدمية) يتسلى بها الأبوين والأخوة على حد سواء ،وما زال الطفل الوحيد في الأسرة هو المحظي على طول الخط ، فليس لمطالبه حدود، وليس هناك من مبرر لرفض لأى طلب له، والذكر الذي يأتي بعد عدد من البنات، أو البنت التي تأتي بعد عدد من البنين ، فإن لكل منهما أيضا موقع لا يساويه فيه أي طفل في الأسرة ، هكذا هي التربية التي تسود مجتمعنا العربي، ولو أضفنا إلى هذه الأساليب التربوية المستوى المعيشي للأسرة، فـإن الحالـة تبـدو أقسى وأمر، فالأسرة ذات الدخل المادي المحدود سيكون النمط التربوي داخلها هو غير النمط التربوي الذي تجده داخل الأسرة التي تعيش ظروفـا ماديـة سـهلة وميسـورة، أضـف إلى ذلـك مسـتوى تعليم الأبوين، والبيئة الاجتماعية التي تعيش فيها الأسرة، وعوامل أخرى كثيرة ، تؤثر كل واحـدة منها بقدر معين في تنشئة الطفل وفي تحديد ملامح شخصيته المستقبلية ، مهما كانـت هـذه التربية فإنها بلا شك لا يمكن أن تقدم للطفل كل ما يحتاجه من رعاية وتربية ، وعلى الرغم من أهمية الأسرة كمؤسسة تربوية في البناء التربوي للطفل، فلقـد أوجبـت التربية الحديثة أن تقف إلى جانب الأسرة مؤسسة تربوية تعليمية (مدرسة) لها دور كبير أيضا في تشكيل شخصية الطفل ولها مقال اخر لدورها الهام والخطير في مسيرة إعداد الفرد وخدمة المجتمع .