الكاتب الكبير سمير إبراهيم زيان يكتب: نوم العوافي ونوم العواجيز: ما بين العافية والشيخوخة


النوم، هذا السكون الظاهري الذي يحمل في طياته نشاطًا داخليًا عظيمًا، ليس مجرد عادة بيولوجية فُرضت على الإنسان، بل هو مرآة دقيقة تعكس حالته الجسدية والنفسية والاجتماعية، وربما الحضارية أيضًا. وفي هذا السياق، كثيرًا ما نسمع في مجتمعاتنا العربية عبارات من قبيل: "نوم العوافي"، أو "نوم العواجيز"، والتي تُقال عادة تعليقًا على حال النائم بعد استيقاظه. ولكن، هل تساءلنا يومًا عن المعاني العميقة التي تقف خلف هاتين العبارتين؟ وما الذي يجعل النوم "عافية" في موضع، و"انكسارًا" في موضع آخر؟
"نوم العوافي"... حين ينام الجسد ليستفيق العقل
عبارة "نوم العوافي" تُقال لمن نام نومًا هانئًا، خاليًا من الشكوى، وبدافع الحاجة الطبيعية للراحة لا المرض أو العجز. هو نوم من يتوسد وسادته مطمئنًّا، خالي البال، لا يطارده ألم جسد ولا شقاء روح. وهو عادة ما يُقال لمن استيقظ نشيطًا أو من نَمَ عن وعي واختيار. وهذا النوع من النوم يُعَدّ مؤشرًا على التوازن الجسدي والنفسي، ويدلّ على أن صاحبه قد حصل على قسطه الكافي من الراحة استعدادًا ليواصل مسيرة العمل أو التفكير أو الإنجاز.
فـالعافية هنا ليست غياب المرض فقط، بل حضور الحيوية والجاهزية والتوازن.
"نوم العواجيز"... حين يصبح النوم عبئًا
أما "نوم العواجيز"، فهو على النقيض تمامًا. يُقال عن نومٍ تغلب عليه القَطَعَات، والقلق، والانكماش على الذات. نومٌ ليس راحة، بل عبور هشّ بين يقظة مُتعبة ونوم مُضطرب. وغالبًا ما يكون سببه التقدم في العمر، أو تراجع الصحة، أو أمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع الضغط، التي تفسد على الشيخ نومه، فلا هو نام ولا هو استراح.
بل إن هذا النوع من النوم قد يكون انعكاسًا لحالة من الإحباط، أو شعور بانعدام الجدوى، أو مواجهة صامتة لحقيقة الزوال.
أمنية لا تكفي... بل مسؤولية
السؤال هنا: هل يكفي أن نتمنى "نوم العوافي" بينما يرزح آخرون تحت وطأة نوم متقطع يُذكّرهم كل ليلة بأنهم أصبحوا في الهامش؟
إن نوم العواجيز ليس مجرد مرحلة عمرية، بل حالة إنسانية تتطلب التفهم والرعاية لا الشفقة أو التجاهل. هؤلاء يحتاجون إلى ما هو أكثر من الدعاء والتمنّي؛ يحتاجون إلى طمأنينة بيئية، ورعاية طبية، ومرافقة وجدانية تخفف عنهم وحشة الليل وتكسر قسوة الشعور بالتراجع.
النوم من زاوية حضارية وثقافية
تتجاوز مسألة النوم حدود الأفراد لتبلغ مستوى المجتمعات والثقافات. ففي بعض المجتمعات، يُنظر إلى النوم كـ"ترف" أو "ترف الكسالى"، بينما في ثقافات أخرى يُعَدّ النوم الجيد ركيزة للصحة الجسدية والعقلية.
بل إن الدراسات الحديثة تؤكد وجود فروق بين الشعوب في طبيعة النوم وعدد ساعاته وجودته، وحتى طقوس ما قبل النوم.
فالنوم هنا ليس فقط استجابة جسدية، بل سلوك اجتماعي ثقافي يعكس نظرة الإنسان إلى الزمن، والذات، والغاية.
رسالة وعي وناقوس إنذار
إننا في خضم سباق الحياة، نغفل كثيرًا عن أبسط المؤشرات التي تبوح بها أجسادنا وأرواحنا، ومنها النوم. ولذا، لا بد من توجيه رسالة وعي صريحة لكل من ينام في دعة وهناء، ولكل من يتقلب في قلق ووهن.
# إلى من ينعم بـ"نوم العوافي":
لا تُسرف في الاطمئنان إلى ما تملكه من عافية؛ فالصحة زاد مؤقت، إن لم تُحسن شكرها وإدارتها، غادرتك فجأة. نم قرير العين، نعم، لكن لا تجعل من راحتك غفلة. راجع نمط حياتك، ووازن بين الجهد والراحة، ولا تستهين بالإرهاق الصامت.
# وإلى من يعاني "نوم العواجيز":
لا تقبل بالأرق قدرًا مفروضًا، ولا تسمح للسن أو المرض أن يسلبك المعنى. طالب بحقك في نوم كريم، وفي بيئة تحتضن احتياجاتك لا تهملك. تذكّر أن ليلك القلق ليس نهاية الحكاية، بل فصل يستحق العناية.
# وللمجتمع من حولهم جميعًا:
نحن بحاجة إلى يقظة جماعية تدرك أن "كيف ننام" ليس سؤالًا فرديًا، بل مؤشرًا حضاريًا وصحيًا وإنسانيًا. من لا يطمئن كبار السن في نومهم، ومن يترك الشاب في غفلته حتى ينهار، يُقصّر في حق الجميع.
خاتمة:
النوم بداية وعي لا نهاية نهار
النوم ليس ختام يوم فحسب، بل بداية وعي جديد. بين "نوم العوافي" الذي يدلّ على اتزان، و"نوم العواجيز" الذي يكشف عن خلل، تقع مسؤوليتنا الجماعية: أن نمنح للراحة معناها الإنساني، وللشيخوخة حقها في الطمأنينة، وأن نفهم النوم لا كمهرب من الواقع، بل كمرآة دقيقة لحقيقة الإنسان.