حسين السمنودى يكتب : الفيلم المرعب غزة 2025


هذا ليس فيلمًا من خيال هوليوود ولا عملًا دراميًّا صادمًا من نتفليكس... هذا الواقع، بأقسى صوره، وأشدها إيلامًا. فيلم مرعب اسمه "غزة 2025" يبدأ من السابع من أكتوبر، ويمتد في كل لحظة، ويعيش أبطاله المأساة لا تمثيلًا، بل وجعًا ولحمًا ودمًا.
600 يوم من الرعب والقتل والتشريد، 600 يوم بلا رحمة ولا هدنة، 600 يوم صارخين بكل ما تحمله الكلمة من دمار، وصراخ، وخيانة، وصمت دولي خانق. غزة اليوم لا تحتاج لسيناريو، فكل لحظة فيها تكتب مجلدات من المآسي التي تعجز الكاميرات عن تصويرها والعقول عن استيعابها.
في غزة، الجوع ليس نقصًا في الطعام، بل انعدام تام له. الخبز حلم، الماء معجزة، الدواء رفاهية. أطفال يموتون لا لأن القذائف استهدفتهم، بل لأن الحليب انقطع، لأن الأوكسجين في حضانات المستشفيات انتهى، لأن قلوبهم الصغيرة لم تحتمل الخوف والقهر والجوع والبرد.
وفي غزة، البيوت لم تعد بيوتًا، بل مقابر جماعية. لا جدران، لا أسقف، لا أمان. أسر بأكملها تُدفن تحت الأنقاض، دون حتى أن تُعرف أسماؤها، وتُسجل في قوائم الشهداء بـ"مجهولي الهوية". حتى الموتى هنا يُنسون، يُبعثرون، تُدفن أجسادهم بلا أكفان، بلا وداع، بلا دعاء.
مدارس الأمم المتحدة تحولت إلى ملاجئ للنازحين، ثم إلى أهداف عسكرية، ثم إلى مقابر جديدة. المستشفيات محاصرة، الأطباء يعملون دون أدوات، دون مسكنات، يجرون العمليات في الممرات وعلى ضوء الهواتف، والجراح مفتوحة، والألم حيّ يئن.
النساء في غزة لا يلدن فقط أبناء تحت النار، بل يلدن أبطالًا يعرفون معنى الحصار والجوع والخوف قبل أن يعرفوا المشي أو الكلام. بعضهن أنجبن تحت القصف، وبعضهن وضعن مواليدهن بين الركام، وبعضهن فارقن الحياة وهن يحتضنن أطفالهن ليحموهم بجثثهن من شظايا القنابل.
في غزة، لا توجد حياة طبيعية، لا أعياد، لا مدارس، لا شوارع آمنة، لا صباحات هادئة. أصوات الطائرات لا تغيب، وصفارات الإنذار لا تهدأ، والموت حاضر في كل زقاق، على كل باب، خلف كل حجر.
حتى النوم لم يعد نعمة، فالغزاوي ينام بين شهيد وذكرى وقلق، يضع حذاءه بجوار رأسه في انتظار النزوح التالي، ينام ولا يدري هل سيستيقظ، أم ستنقله قذيفة في غفلة إلى السماء.
المأساة في غزة ليست فقط قتلًا بالجملة، بل إنها قتل للمعاني، للكرامة، للطفولة، للإنسانية. إنها جريمة مستمرة تُرتكب في بث مباشر، ويشاهدها العالم بأسره. فلا عدسات الإعلام تُنقذ طفلًا، ولا مؤتمرات السلام تُوقف نزيفًا، ولا اجتماعات الأمم المتحدة تُرمم قلبًا مكسورًا.
"غزة 2025" هو الفيلم الذي تُكتب مشاهده بدماء الأبرياء، وتُسجل مشاهده بدموع الثكالى، وتُعرض يوميًّا على شاشات الصمت العالمي والخذلان العربي. إنه فيلم مرعب... لأن ما يحدث فيه ليس خيالًا، بل الحقيقة المُرّة، الواقعة، الجارحة.
لكن رغم كل شيء، يظل في غزة نور صغير... أمل يقاتل ليبقى. طفل يضحك وسط الركام، شاب يُصلي بين الأنقاض، أم تُعد الخبز بما بقي من رماد. هذا هو مشهد النهاية التي لا يريدها المحتل... أن تظل غزة واقفة، شامخة، تُقاوم، تكتب تاريخها بالدم، وترفض أن تموت.