دكتور علاء الحمزاوى يكتب : فيها يُستحَبُّ ولا يَجِـــب !


ــ في آيات الحج ورد قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وهو أمْـر للحجاج بأن يستغفروا ربهم توبةً وشكرا على أداء الحج، وجاء الشكر استغفار لأن الموقف موقف توبة وتضرع وتذلل وثناء، ويحتمل أنه أمـر للأمة في عشر ذي الحجة التي هي أفضل الأيام على الإطلاق في العمل الصالح لقول النبي: "ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ"، ولا يفضلها إلا الجهاد بالمال والاستشهاد معا؛ ومن ثم فاضل العلماء بينها وبين العشر الأخيرة من رمضان، فقالوا: نهار عشر ذي الحجة أفضل من نهار عشر رمضان؛ لأن فيها أفضل ثلاثة أيام في الدهـر: يوم عرفة ويوم النحر ويوم القَــرِّ، وليالي عشر رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة؛ لأن فيها ليلة القدر أفضل ليلة في الدهر، وترتب على ذلك اختلاف في تفسير قول الله: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ}، والراجح أنها عشر ذي الحجة، وعُـبِّـر عنها بالليالي من باب التوسعة في اللغة، والفجر هو فجر يوم العيد.
ــ وجاء "العمل الصالح" في الحديث مطلقا ليشمل كل شيء مستحب من الدعاء وقراءة القرآن والصلاة على النبي والتصدُّق والتنفل بالصلاة والصيام، وليس للصيام خصوصية في الفضل، فقد صـحَّ عن عائشة: "مَا رأيتُ رَسولَ اللَّهِ صامَ العَشرَ قطُّ"، أما حديث حفصة "أربع لم يكن يدعهن رسول الله: صيام عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر وركعتان قبل الغداة" فمختلفون في صحته، والثابت باتفاق استحباب صيام التاسع (عرفة) والنهى عن صيام العاشر (العيد)، فالصيام مستحب لكن لا نشدد على أنفسنا به ونترك ما هو أفضل منه، وهو الذكر والاستغفار لقول الله: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وقول النبي: "فأكثروا فيهنَّ منَ التَّهليلِ والتَّحميدِ والتسبيح والتَّكبيرِ" تشبيها بالحُجَّاج، قال الله فيهم: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ}، وأفضل الذكر الله أكبر الله أكبر الله لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، وأفضل الاستغفار "اللَّهُمَّ أنتَ ربِّي لا إلَهَ إلَّا أنتَ خلَقتَني وأَنا عبدُكَ وأَنا على عَهْدِكَ ووعدِكَ ما استطَعتُ أعوذُ بِكَ من شرِّ ما صنعتُ أبوءُ لَكَ بنعمتِكَ عليَّ وأبوءُ بذَنبي فاغفِر لي فإنَّهُ لا يغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ من قالَها حينَ يصبحُ موقنًا بِها فماتَ من يومه دخلَ الجنَّةَ ومن قالَها حينَ يمسي موقنًا بِها فَماتَ من ليلتِهِ دخلَ الجنَّةَ".
ــ ومن أفضل العمل الصالح فيها الأضحية تشبيها بالحُجَّاج في تقديم الهدي، وهي عبادة تذكِّرنا بفضل الله على سيدنا إبراهيم حين افتدى إسماعيل بذبح عظيم، فالقصد منها إحياء سنة إبراهيم في امتثاله لأمر الله، وقد شُرعت في السنة الثانية للهجرة، وهي ليست واجبة فيأثم تاركها، إنما هي سُنة يستحب فعلها ويثاب فاعلها؛ حيث قيدها النبي برغبة المضحي وإرادته، فقال: "إذا دخَل العَشرُ الأوَلُ فأراد أحدُكم أن يُضَحِّيَ فلا يَمَسَّ من شعَرِه ولا من بشَرِه شيئًا"؛ والواجب لا يُعلَّق على إرادة المكلَّف بأدائه، والنهي عن أخذ المضحي شيئا من شعره هو تشبيه بالحاج، لكنه نهيُ استحباب، فإن أخذ شيئا فلا إثـم عليه.
ــ ولأن الأضحية فيها مصلحة للمجتمع يُشترَط أن تكون طيبة ناضجة كثيرة اللحم خالية من الأمراض والعيوب البيَّنة، وأن يتجاوز عمرها ستة أشهر للغنم وسنة للمعز وسنتين للبقر والجاموس وخمس سنوات للإبل، ويجوز انتقاص السنّ قليلا إذا كانت سمينة مليئة باللحم، ففي الحديث «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ» والجَذَعُ ما لم يُكمل ستة أشهر من الغنم وسنة من المعز، والجَذَعُ من البقر ما لم يُكمِل سنتين، والجَذَعُ من الإبل ما لم يُكمِل خمس سنوات، والشاة تجزئ عن واحد، والبَدَنَة والبقرة والجاموسة تُجزئ كل منها عن سبعة، ومن تطوع فهو خير له عند ربه، وهنا سؤال: هل يجوز أن يشترك اثنان في الشاة أو أكثر من سبعة في البدنة؟ ذلك تكليف للنفس فوق طاقتها لكن لا مانع؛ فالهدف إراقة الدماء، وما لا يُدرَك كله لا يُترَك كله.
ــ والمشروع في لحم الأضحية الأكل والإطعام، قال الله: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}، القانع هو السائل والمعترُّ الذي يُشعِر الناس باحتياجه دون أن يسألهم أو العكس، ويستحب أن يزيد المضحي جـزء الفقراء إلا إذا كان ذا عيال، فهو أولى بالزيادة؛ لحديث «ابْدأْ بنَفسِكَ فتَصدّقْ عليها"، ولا بأس أن توزع الأضحية ثلاثا، ولا يغني التصدُّق بثمنها عن نحرها؛ لأن إراقة الدماء شعيرة مقصودة، ولا يجوز شراء لحم بنية الأضحية، ولا يجوز الأضحية بالطيور، ووقت الذبح بعد صلاة العيد لقول الله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}.