الأحد 22 يونيو 2025 09:23 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم يكتب: زمن القحط المعرفي وسيل الألقاب الجارف !!

الكاتب الكبير اسماعيل ابوالهيثم
الكاتب الكبير اسماعيل ابوالهيثم

كنت ومازلت وسأظل حتي ريب المنون أؤمن بأن هناك أشخاص الألقاب في حقهم تحجيم وتنكير ( مهما علا و سما وبرق اللقب ) وبكل تواضع أستطيع أن أقول بمليء فيهي : أنني عرفت وخدمت وجلست وزاملت وصادقت العديد من تلك النماذج ، في المحيط الأزهري والمحيط الإعلامي ، نماذج سامقة شامخة يكتسب اللقب ( أي لقب ) قيمة من ملامسته أسمائهم!!

وامتلك العديد من الوثائق والأوراق الرسمية الممهورة بتوقيع من هذه النماذج بأسمائهم المجردة دون أي ألقاب ، اعتزازا بالنفس ، واثراءا للتواضع الجم !!

في أيامنا الحاضرة .. أجد ألقاب ولا أشاهد أشخاص ، أيام تتناسل فيها الألقاب كنبات الفطر وتتدنى المستويات وتتراجع لمستويات ولا اقل من ذلك !! لدرجة تواضع المعارف عند حاملي تلك الألقاب بشكل واضح للأطفال ، رغم تصدرهم للمحافل العلمية والحوارية ، مع أنهم أخلاف لا يحسنون السير ولو بعرج مع طريق الأسلاف وللمتحسر –مثلي- أن ينشد مع من تقدم :
"فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل"!!

فعلا لم يعد للحياة من قيمة، بعد أن بدأت الكنوز المعرفية تنفد والبحار الزاخرة تجف ولم يبق سوي أعداد قليلة فيهم سمات أساتذتهم وأبائهم وشيوخهم وأجدادهم ، هم دون غيرهم يحتفظون في صدورهم وذاكرتهم وعقولهم ، ما تركه الأفذاذ ، وما كانوا عليه من سمت ووقار وهيبة وعلم وحضور وورع .
لقد رأيت في الأزهر الشيخ المشد .وجلست أمام الشيخ عطية صقر وقبلت مراراً يد سيدي الدكتور محمد سيد طنطاوي وانا باحث فني بمكتبه ، وكنت قريب جدآ جدآ من فضيلة الشيخ محمود عاشور ، وحاورت المشير عبد الرحمن سوار الذهب رئيس السودان والرئيس مأمون عبد القيوم رئيس دولة المالديف ، وجلست علي منضدة واحدة في دوشنبه عاصمة طاجكستان مع الرئيس الأفغاني صبغة الله مجددي ( خريج الأزهر الشريف) عام ٥٢ وتعلمت الكثير من سماحة الإمام الطيب وأنا مدير عام إدارة الطلاب الوافدين بالمنظمة العالمية لخريجي الأزهر وهو القائل بحقي : لو كل موظف بالأزهر قدم مقترحاً كما قدم الشيخ أبو الهيثم مقترح برلمان الطلاب الوافدين ونفذه علي أرض الواقع لتغير الوضع الإداري بالأزهر إلي مستويات تضاهي التقدم العلمي والاكاديمي ، وشرفت بالعمل مع فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عياد مفتي الديار المصرية واعتز بإعجاب الأستاذ الدكتور إبراهيم الهدهد رئيس جامعة الأزهر السابق بي . وافتخر بما قاله الأستاذ الدكتور محمد عبد الفضيل القوصي وزير الأوقاف الأسبق عني . وبما قاله معالي المستشار رجائى عطية نقيب المحامين وعضو مجمع البحوث الإسلامية عني .

وعلي صفحات مجلة الأزهر الشريف حاورت الأستاذة الدكاترة أحمد عبد المقصود هيكل وزير الثقافة الأسبق .والدكتور أحمد كمال أبو المجد وزير الإعلام الأسبق ،. والدكتور محمد سيد المسير والدكتور مصطفى الشكعة والدكتور جودة المهدي والدكتور عبد الصبور مرزوق . والدكتور الأحمدي أبو النور وزير الأوقاف الأسبق

نماذج سامقة في سماء الأزهر أعتز وأشرف بمعرفتهم ورؤيتهم ( وهي ليست بالهينة) نماذج تتضاءل الألقاب عند الاقتراب منهم ، وتصبح عاجزة عن بيان سعة وشمولية علمهم في حين ، أنها تضفي بريق إذا أطلقت وألصقت بغيرهم !!


ومن.بين هؤلاء الأعلام أختار نموذجاً يجوز لي شرعاً وعرفا أن أقول عنه إنه شيخي . لأنه اثرني بحبه وآمن بقدراتي وساعدني وحافظ علي ( قدر طاقته ) من بطش بعض الرؤساء ، إنه فضيلة العالم الورع سماحة الأستاذ الشيخ علي محمود ابو الحسن .الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية للدعوة والإعلام الديني . فهو شخص لا تكفي مفردات اللغة العربية علي غناها وكثرة مفرداتها من صياغة كلمات تحدد بوضح حجم وعمق وكنه التميز الذي يضرب شخصيته بعنف وعمق.
فهو الحيي الورع ، صاحب السمت الهادئ ، محدث لا يمل حديثه ، ومحاضر يغترف من بحر لا تسبر أغواره ، يعطى السامع ما أراد من معارف قطوفها دانية قريبة المأخذ عذبة التذوق ، تكشف غطاء العقول لتبصر بعد عماء ، وتشحذ الهمم لتنطلق في مضاء وتحدو الأرواح لترفرف كالطير منطلقة من أقفاصها .

لقد أثمرت مخرجاته ( العلمية والدعوية والتوعوية) منهجاً إصلاحيا ملموساً ومشهودا لكافة العاملين في مجال الدعوة والإعلام الديني بالأزهر ، فقد كان ( رحمه الله ) يرتب بين الأولويات ويوازن بين المقتضيات وينظر المآلات بنظرة ثاقبة تقدر ما للنصوص من حرمة وقدسية وما للواقع من حاجة وضرورة .

و لا غرابة أن يشعر المتابع لحركة شيخي ( الدعوية والعلمية) بحرصه في المحافظة علي الأصالة الأزهرية والانفتاح علي العصر والأخذ من نظمه ما يناسب صيرورة الحياة وتجدد أحداثها .ومن لهذه المهمة غيره ، وهو الداعية البيلغ الذي حمل لواء الدعوة شابا وكهلا لم يتركها يوماً.

وشيخي على محمود أبوالحسن ، من مواليد قرية بني غالب بمركز أسيوط في يوم الثلاثاء الأول من شهر ذي الحجة سنة 1356هـ الموافق الأول من شهر فبراير سنة 1938م من اسرة أزهرية ، بدأ حفظ القرآن الكريم بكتاب القرية ثم أكمله على الشيخ مرزوق أبو زيد بقرية الحواتكة مركز منفلوط ثم راجعه على يد والده فضيلة الشيخ محمود محمد أبو الحسن من علماء الأزهر أيضًا ومأذون القرية، التحق بمعهد أسيوط الديني الذي كان يسمي معهد فؤاد الأول وحصل على شهادة الإعدادية عام 1956 ثم الثانوية الأزهرية عام 1961 نظام الخمس سنوات والتحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1961 وتخرج في قسم التفسير والحديث في عام 1967م ثم عُين بالأزهر الشريف واعظًا عامًا لمركز ديروط عام 1967 ، أُعير لليمن كخبير للدعوة برئاسة الجمهورية اليمنية عام 1978 حتي عام 1983، وقام خلالها بتأليف عشرة كتب مدرسية في مادة التربية الإسلامية بوزارة التربية والتعليم اليمنية وما زالت كتبه تدرس حتى الآن، ثم عمل مستشارًا للدعوة بوزارة الأوقاف اليمنية . ثم مدير عام لمنطقة وعظ اسيوط ثم مديرا لشئون المناطق بالأمانة العامة للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية ، ثم أميناً عاماً مساعداً للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية ورئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف .ثم أحيل للتقاعد والحاصل على وسام الجمهورية.

والذاكرة تمسك ببعض مفردات حديثه للسادة وعاظ الأزهر الشريف منها :
*يجب علي من يتصدى لأمر الدعوة أن يتسلم بعلم وفهم ، ويكون علي صلة وثيقة بالله عز وجل بأخلاق وسلوك .
* يجب علي الواعظ تجريد النفس عن الأهواء والمطامع والحظوظ ، كما يجب عليه معرفة ظروف وأحوال وثقافة من يعظهم .
* كما يجب عليه تخير الأسلوب الأمثل للوصول إلي نفس المدعو ، وكان دوما يشحذ الهمم بقوله : أبنائي الوعاظ : إن الأزهر يعقد الأمل عليكم لتقوموا بدوركم الأساسي في عملية التنمية الروحية التي هي الدعامة الرئيسة لكل عمليات التنمية ، وذلك لأن الإنسان هو محور كل تنمية ، صناعية او زراعية أو إجتماعية ، والإنسان ليس جسدا قويا وثريا فقط !! بل هو قبل ذلك روح ووجدان ووعي وخلق ، وهذا مناط تميزه . وهذه الحواس هي التي ينبغي زيادتها عنده لكي يرقي بالروح ، ويحي بالضمير ، ويسمو بالوجدان ويعلو بالوعي .
وما أروعه عندما ينهي كل إجتماع مع السادة الوعاظ بقوله : إن دوركم لا يقتصر على إلقاء الخطب والدروس وأم المصلين في المساجد ، وانما يتوجب علي كل فرد منكم أن يكون الأب الروحي لكل فرد في محيطه الإجتماعي ، بحيث يكون الواعظ منكم ملجأ للناس يطرحون بين يديه مشاكلهم ، ويفضون إليه بهمومهم ، ويشركونه في حل تلك المشاكل وتخفيف تلك الهموم ، ولن يتحقق له ذلك إلا إذا كان قدوة رفيعة في أقواله وأفعاله ومنهاج سلوكه!!

ولعمري ..أنها إرشادات هامة لكل من يريد أن يقوم علي مقام التبليغ والدعوة والنصح والإرشاد.
رحم الله شيخي الجليل عالي المقام ، فصيح اللسان .كريم الأخلاق .عف اللسان ، والله أسأل أن يمنحنا القدرة علي زيارة قبره في قريته بني غالب مركز أسيوط ، وكذا زيارة رئيسي ورئيسه المجاهد الدعوي الجهير فضيلة الأستاذ الشيخ علي نور الدين أمين عام الدعوة والإعلام الديني الأسبق بالأزهر الشريف.في قبره بمدينة المنيا ، كما أسأله سبحانه الرحمة لهما ولكافة مشايخنا الذين رحلوا وهم علي ثغرة من ثغر التبليغ عن الله سبحانه وتعالى. وأسأل حضراتكم الترحم عليهم وعلي كل الدعاة المخلصين الذين سبقونا لملاقاة الداعية الأول والسراج المنير سيدنا محمد ، وأصحابه الصالحين وأهل بيته الطاهرين وكل من سار علي دربه إلي يوم الدين .

الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم زمن القحط المعرفي وسيل الألقاب الجارف الجارديان المصرية