د. كمال يونس يكتب : هموم مسرحية في كتابات د. كمال يونس ( مصر) و د.مرزوق بن مرزوق( قطر)


في مقال بعنوان "مهرجان الدوحة المسرحي: بين الإنجاز والتحديات المستقبلية " للكاتب والناقد د.مرزوق بشير بن مرزوق الكاتب والباحث والناقد في الدراما والإعلام والمنشور في النشرة الختامية لمهرجان الدوحة المسرحي ، فوجئت بتطابق وجهات كلينا مع اتفاق النظرة للمهرجانات المسرحية ودورها ، وقد سبق لي نشر عدة مقالات في الصحافة أو كتبي عن المهرجانات منها المقال المعنون المهرجانات المسرحية المنشور بكتابي المرصد المسرحي
( المهرجان المسرحي هو حالة مختبرية في غالب تكوينه، وهو فرصة لتجمع مسرحي تعرض فيه النتاجات المسرحية المختلفة والمتنوعة ليتعرف المسرحيون بعضهم على بعض، ويقيسوا تجاربهم وتجربتهم، وقد يتنافسون فيما بينهم على ذلك الأمر فيذهب كل منهم نحو معمله ليقدم عرضه ضمن وفي إطار هذه الحالة.
إنها حالة تشبه المؤتمرات العلمية التي يحضرها المتخصص ليقدم بحثه وخبرته وتجربته ليفيد منها حضور المؤتمر من الخبراء والعارفين والمتعلمين والمتدربين، ولذلك سنجد في المهرجانات المسرحية الورش والدورات والندوات الفكرية والتطبيقية.
ربط المهرجان بالجمهور هو ربط خاطئ في تصوري، فما هي المساحة الذي يتحملها عرض يقدم لمدة مرة واحدة أو مرتين لجمهور طويل عريض؟ .
والحضور النوعي الدائم لعروض المهرجان وإنه من المسرحيين أنفسهم فذلك أمر طبيعي جدا نظرا لنوعية التعامل والتعاطي مع المهرجان وفكرته ومناطق بحثه وتوجهه
وبالتالي كيف يمكن أن نقيس الحضور نوعه وكمه واستجاباته على عرض واحد للمسرحية في حالة معملية غير متجه نحو الجمهور مباشرة؟،وفي المقابل سنجد أن عروض الموسم المسرحي هي تلك التي تقاس عليها عملية الاستجابة والتوجه والقياس نظرا لنوعيتها وتوجهها نحو الجمهور مباشرة دون معمل أو مختبر، الخلط بين حالة المهرجان وبين حالة الموسم هو ما يجعل قياسات التوجه لدينا دوما غير دقيقة .
وكان لابد من الرد على ما تضمنه مقاله وأبدأه بتساؤلي..
المهرجانات لمن؟ وخاصة أن العروض المقدمة فيها مفترض بداهة أنها أنتجت للعرض على الجمهور كأفضل بضاعة لمنفذيها
فإذا ما كانت كما هو الحال وعلى غير المفترض فلتقصروا حضورها على ذات المجموعة من النقاد والفنانين .
مهرجانات في مجملها صفرية المردود وقرع للطبل الأجوف إذ لم تنعكس على الحرص على الجمهور والمحافظة عليه وخاصة بعد أن بات واضحا للعيان هجر الجمهور للمسارح، إذن أن العلة في عروض طاردة له غريبة عنه وعن اهتماماته وخالية من المتعة والفن والفكر .
وهل سيقضون العام كله للتعارف على بعضهم وجوه مكررة لا تفسح المجال للوجوه الجديدة ، والكلام على الطريقة الطوطولوجية (تكرار الكلام بنفس المعنى بعدة طرق )،تكرار للجان التحكيم ولجان اختيار العروض والنقاد والنتيجة صفر.
المهرجانات معظمها مخبرية تتناسى أن مكانها جدران الأكاديميات ثم يطبقون مبتكراتهم بعد ذلك في عروض للجمهور.
وحين يدرك المهرجاناتية ماهية عمل المهرجانات وآلياتها ويقصروها على أنفسهم كالمهرجان التجريبي فيقصرون حضوره على شلتهم ستكون الرؤية أوضح ،المشكلة أن عدد المهرجانات وخاصة في مصر أصبح مبالغا فيه حوالي ٣٤ مهرجانا بمعدل مهرجان كل ١٠ أيام ، لتطيح بالمواسم المسرحية ، فيكون جل اهتمام المسرحيين المهرجاناتية ما الذي سيقدمونه ليعرض في مهرجانات تحصيل حاصل ، وفرقعة إعلامية كاذبة ،وهل يفرق المستفيدون الحقيقيون من حضور المهرجانات وسياحتها وقد اقتصر حضورها عليهم الفرق بين المهرجان والآخر، وخاصة بعد ان أصبح كل من هب ودب يقيم مهرجانا للسبوبة وتبادل المنافع والأضواء .
ولذا كان لزاما أن أذكر مقولة د. مدحت الكاشف العميد الأسبق للمعهد العالي للفنون المسرحية بمصر ورئيس أحد دورات المهرجان العربي والمهرجان القومي :
واقع المسرح العربي اليوم لا يبعث على السرور، فالمسرح اليوم أصبح يقدم للمسرحيين ، وهذا بعيد عن هدفه الأساسي بسبب عزوف الجمهور عن الذهاب للمسرح.
المسرح لا يمكن أن يتوقف عن مواكبة قضايا المجتمع هناك قضايا عالمية تستحق أن يطرحها المسرح العربي وفي نفس الوقت هناك قضايا أكثر خصوصية في بعض المجتمعات .
شخصيا أعتبر أن المسرح يجب أن يناقش جميع القضايا المسكوت عنها في جميع المجتمعات الأهم أن يوظف أدواته بشكل جيد لطرح هذه القضايا، المسرح من أجل الجمهور ، وقضايا الجمهور ، في حين أن مناقشة القضايا السطحية أمر غير مقبول ويبعد المسرح عن هدفه الأساسي.
و يجب أن يوضع في الحسبان مقولة د.كمال زغلول عن أهمية الجمهور للعرض المسرحي :
يعتقد البعض أن الجمهور مجرد مشاهد للعرض المسرحي، ولهذا يصبح عرض (المسرح) مجرد مشاهدة تقبل الاستحسان أو الرفض، وهذه النوعية من العروض قيمتها الجمالية بالنسبة للجمهور، مجرد متعة جمالية عابرة في حالة الاستحسان، أما في حالة الرفض تصبح بلا قيمة ويتم غلقها ونسيانها.
ولهذا لا ينتبه صناع (المسرح) إلى مشاركة الجمهور في العرض المسرحي، مشاركة حقيقية، وليست مشاركة بكسر الحاجز الرابع، أو مشاركة بالتعبير عن الاستحسان بالتصفيق والصراخ والضحكات، ولكن المشاركة الحقيقية للجمهور تكون من خلال الوجدان الجمعي، الذي يجمع الجمهور بالممثلين.
أعرض هنا لمقال د. مرزوق بشير بن مرزوق
وطرح فيه عدة أسئلة هامة أجاب عليها
-هل الجوائز هي الغاية أم الوسيلة؟.
-إن الجوائز، رغم أهميتها، ليست سوى محفزٍ لأعمالٍ قادمة أكثر جودةً وموضوعية، لكن إن لم يخرج المسرحيون من هذا المهرجان بنيّة التطوير والتغيير، فلا معنى لعشر ليالٍ مضت وكلفت الكثير من الموازنات.
كيفية قياس الإنجاز الحقيقي: قبل أم ما بعد الجوائز؟
من الأخطاء الشائعة قياس نجاح المهرجانات المسرحية بعدد الجوائز، حيث أن الجوائز تخضع لتقييم لجان التحكيم وفق مقاييس قد تتغير حسب السياق الثقافي لكل بلد، لكن الإنجاز الحقيقي لا يتمثل في عدد الجوائز الممنوحة، بل في ما يأتي بعدها، أي في قدرة الأعمال المسرحية على إحداث تأثير مستدام، والاستمرار في الحركة المسرحية على مدار العام، المسرح ليس حدثًا موسميًا، بل حالة دائمة تحتاج إلى دعم مستمر، وليس الاكتفاء بموسم مهرجان الدوحة المسرحي فقط.
كيف يمكن تحقق دور للمهرجان في استدامة الحركة المسرحية؟
المهرجانات غالبًا ما تكون موجهة للنخبة وضيوفها من المسرحيين والمتخصصين، بينما الجمهور الحقيقي يوجد خارج الصالات، في فضاء الحياة اليومية. لذا، ينبغي على المهرجان ألا يكون مجرد مناسبة سنوية، بل محفزًا لحركة مسرحية نشطة تتواصل طوال العام، عبر:
-إنشاء منصات مستدامة للعروض المسرحية بحيث لا تقتصر العروض على الموسم المهرجاني فقط.
-تشجيع المشاريع المسرحية ذات التأثير المجتمعي التي تتناول قضايا حقيقية وتعكس واقع الجمهور.
-إعادة هيكلة مفهوم الإنتاج المسرحي بحيث يكون متاحًا للجمهور خارج نطاق النخبة الثقافية.
وعن واقع المسرح في قطر؟
في حاجة إلى إعادة النظر إذ أن المسرح عبر التاريخ كان انعكاسًا لمجتمعه، منذ العصر الإغريقي مرورًا بالمسرح الفرنسي والإنجليزي وحتى المعاصر، حيث يعبر عن القضايا الاجتماعية في إطار إنساني يجعلها مقبولة عالميًا، إلا أن المسرح القطري في الأعوام الأخيرة ابتعد عن التفاعل المباشر مع قضايا مجتمعه، وركز على العناصر البصرية والسينوغرافيا أكثر من المحتوى الفكري، مما يستدعي إعادة النظر في آليات تطويره ،وأرى اتخاذ بعض خطوات نحو مسرح أكثر حيوية ألا وهي:
-تعزيز برامج التأهيل العلمي والتدريب المسرحي عبر ورش عمل أكاديمية تُعنى بفن المسرح والدراما.
-إعادة التوازن بين الجماليات البصرية والمضامين الفكرية** لضمان تقديم عروض ذات قيمة ثقافية واجتماعية.
-توسيع نطاق الجمهور المستهدف ليشمل فئات المجتمع المختلفة، وليس فقط النخبة الفنية.
-إيجاد مساحات مسرحية جديدة خارج نطاق المهرجانات مثل المسرح المجتمعي والعروض المتنقلة.
إن المهرجان المسرحي، بقدر ما يمثل فرصة للاحتفاء بالإبداع، يجب أن يكون أيضًا نقطة انطلاق نحو حركة مسرحية أكثر استدامة وتأثيرًا، المسرح لا يرتبط بزمن أو مكان، بل هو فعلٌ مستمرٌ يتجدد بتفاعل الجمهور معه، لا بتركيز الأضواء عليه لموسمٍ واحد في العام. لذا، فإن مستقبل المسرح القطري يكمن في تكريس الحضور المسرحي الدائم، بحيث يصبح جزءًا لا يتجزأ من الحياة الثقافية للمجتمع.