الأربعاء 4 يونيو 2025 02:06 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الكاتب والناقد القطرى د.مرزوق بشير بن مرزوق يكتب : سطحية المرآة… حين يصبح الفن صورة بلا روح

الكاتب والناقد د.مرزوق بشير بن مرزوق
الكاتب والناقد د.مرزوق بشير بن مرزوق

كثيرًا ما نجلس أمام عمل درامي، سواء كان على خشبة المسرح أو على شاشة التلفاز، ونجد أنفسنا نتابع أحداثًا متتالية، مشاهد مصقولة، وممثلين بارعين… لكن رغم كل ذلك، لا نشعر بشيء. يمر العمل من أمامنا دون أن يترك أثرًا حقيقيًا فينا. لماذا؟ لأن هذا العمل لم يلامس جوهرنا الإنساني، لم يصل إلى العمق.
الدراما الحقيقية، في جوهرها، ليست مجرد وسيلة لعرض ما نراه في الواقع، بل هي أداة لسبر أغواره، لفهم تعقيداته، ولطرح الأسئلة التي نخشى مواجهتها. هي مرآة نعم، لكن قيمتها ليست في كونها تعكس ما هو ظاهر، بل في قدرتها على كشف ما هو خفي، والتسلل إلى المناطق التي لا نجرؤ على التفكير فيها.
ومع ذلك، نرى كثيرًا من الأعمال التي تسقط في فخ السطحية. تكتفي بعرض ما هو أمام العين، دون أن تغوص فيما وراءه. وهذا ليس صدفة. فهناك أسباب كثيرة تجعل بعض صناع الدراما يختارون هذا الطريق السهل:
• الاستسهال التجاري: حين يُفضل البعض تقديم أعمال بسيطة تضمن رواجًا سريعًا، حتى لو كانت على حساب الجودة والمضمون.
• الخوف من القضايا الشائكة: بعض الكتّاب والمخرجين يبتعدون عن المواضيع الحساسة، خوفًا من الرقابة أو ردود الفعل.
• ضعف في أدوات الكتابة والمعالجة: حيث تفتقر الحوارات إلى العمق، وتبدو الشخصيات باهتة بلا حياة، والتصعيد الدرامي بلا نبض.
• الاهتمام بالشكل أكثر من الجوهر: فيغرق العمل في المؤثرات البصرية والديكورات الفخمة، بينما يبقى المحتوى هشًّا وضعيفًا.
وما نراه على الشاشة أو على المسرح يعكس هذه السطحية بوضوح:
• شخصيات نمطية لا تعكس تعقيدات الإنسان الحقيقي.
• أحداث متوقعة بلا مفاجآت حقيقية أو تحولات مؤثرة.
• حوارات مباشرة تفتقر للرمز والإيحاء.
• طرح سطحي للقضايا دون تحليل أو عمق فكري.
• نهايات مفتعلة لا تنسجم مع الواقع أو مع تعقيدات القصة.
لكن المشكلة لا تتوقف هنا. هذا النوع من الدراما يترك أثرًا سلبيًا على وعينا كمجتمع. فهو يُعوّدنا على التفكير السطحي، ويُرسخ الصور النمطية، ويضعف ذائقتنا الفنية، بل ويفقد الفن دوره في إحداث التغيير أو إثارة الأسئلة المهمة.
نحن بحاجة إلى دراما لا تخشى الخوض في المجهول، لا تخاف أن تُظهر التناقضات، ولا تتجنب طرح الأسئلة الكبيرة. نحتاج إلى شخصيات تُشبهنا: مترددة أحيانًا، قوية أحيانًا، هشة في لحظات، ومتماسكة في لحظات أخرى. نحتاج إلى قصص لا تمنحنا إجابات جاهزة، بل تدفعنا نحو التفكير والبحث والتأمل.
الفن ليس مجرّد زينة، بل هو رسالة. هو صدى للإنسان في أعماقه، وهو القادر على أن يحرّك فينا أشياء لم نكن نعلم أنها موجودة.
فلنطالب بصناعة درامية تخرج من سطح المرآة، وتدخل في عمق النفس.
دراما تُشبهنا، تُشبه قلقنا، أحلامنا، أسئلتنا…
الفن الذي يستحق أن نحتفي به، هو ذاك الذي لا يكتفي بأن يعرض ما نراه… بل يُرينا ما لم نكن نراه.

الكاتب والناقد د.مرزوق بشير بن مرزوق (قطر) سطحية المرآة… حين يصبح الفن صورة بلا روح الجارديان المصرية