شحاتةزكريا يكتب : غزة.. حيث تُقصف الحقيقة


غزة ليست مجرد بقعة جغرافية محاصرة ، بل مرآة نرى فيها عورات العالم ، وجرحٌ مفتوح في الضمير الإنساني. ما يحدث هناك ليس صراعا حدوديا ولا حربا ضد الإرهاب ، كما يدّعي السادة المتحضرون خلف ميكروفونات المؤتمرات. إنها حرب شاملة على كل ما هو إنساني: على الوعي والذاكرة والحقيقة.
في غزة لا يُقتَل الناس فقط بل يُقتل معنى الحياة ويُغتال المنطق وتُدفن الكلمات الطاهرة تحت ركام المنازل. كل شهيد هناك يُعيد تعريف مفهوم البطولة ، وكل دمعة من أم ثكلى تفضح صمتا دوليّا جائرا وكل طفل يُنتَشل من تحت الأنقاض يسألنا جميعا: ماذا تبقّى من ضمير العالم؟
الاحتلال لا يستهدف فقط الإنسان الفلسطيني بل يستهدف قدرته على الحكي ، على سرد الحكاية على الدفاع عن نفسه في معركة الرواية. فبينما تُهدم البيوت تُبنى روايات زائفة في كبريات المنصات العالمية ، تُزيَّف بها الحقائق ، ويصور الجلاد ضحية وتُشوّه صورة الضحية وكأنها خطر يجب استئصاله.
لكن الحقيقة لا تُقصف وإن تأخرت عن الوصول. ومهما علا صوت المجرمين فإن صوت المظلومين يظل هو الأصدق حتى لو خنقوه بالحصار وحتى لو دفنوه تحت الأنقاض لأن الكلمات الحقيقية لا تموت.
دعم غزة ليس شعارا بل موقف. لا يحتاج إلى بيانات بل إلى ضمير. أن ترفض الظلم لا يعني أنك مع طرف ضد طرف بل أنك مع الإنسان ضد الجريمة. أن تكتب، أن توثّق، أن ترفض تزييف الوعي هذا هو الدور الأصيل لكل صاحب قلم وكل صاحب موقف.
غزة اليوم تكتب سطورا دامية في دفتر التاريخ وتنتظر أن نختار: هل نكون من شهود الزور؟ أم من الذين ثبتوا على الحق رغم صعوبة الطريق؟ العالم يتغير نعم لكن المواقف تُدوَّن والحياد في زمن المجازر خيانة.
في لحظة كهذه لا نحتاج إلى رماد الكلام بل إلى نار الحقيقة. لا نريد تعاطفا عابرا بل التزاما دائما. فغزة ليست وحدها ما دامت الحقيقة في صفّها وما دام في هذا العالم من لا يرضى أن تُغتال الكرامة بصمت.