الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم يكتب: الشاشات ليست ميدان من ميادين الإجتهاد !!


مما لا شك فيه ولا ريب، أن الديمقراطية ، تكفل حرية التعبير وغيرها من الحريات لكل فرد، ولكن الحرية لا تمارس بالهوى؛ بل تمارس في إطار القانون، وبدونه تكون فوضى هدامة. وتهدف القوانين المنظمة للحرية إلى حماية المجتمع والأفراد، وصيانة الكليات التي تجسد المصلحة الوطنية العليا. وخارج النظام وسيادة القانون تتحول ممارسة الحرية إلى فوضي وتخريب !
.
في حقل الإعلام ( علي سبيل المثال ): يجب علي من يعمل في هذا المجال ، أو من يريد الإطلالة منه علي الڤضاء , أن يكون ظهوره مرتبطا بالتذكير بما هو ثابت ومستقر في الأذهان وفقط !! ، وليس معني ذلك أن نغلق أبواب أمام الأطروحات الجادة أو الإجتهاد المنضبط ,!؟ ، لم اقصد هذا البتة !! وذلك لعلمي وقناعتي بأن الإجتهاد وسيلة مثلى للملاءمة بين الشريعة وبين جوانب من الحياة. وقد بين العلماء متطلبات هذا الاستنباط ومقوماته وضرورياته وحاجياته ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر ، فالاجتهاد يجنبنا الجمود الذي قد يجعل الشريعة لا تلبي حاجات الناس وهم يتطورون بحكم تغير الحياة ، لاسيما إذا آمنا بأن عموم الرسالة المحمدية صالحة على اختلاف الزمان والمكان والعادات والأعراف والأمم والأجناس.
لذا ندب الإجتهاد وهو الأمر الذي أكده الإمام الشافعي بقوله: "كل ما نزل بمسلم ففيه حكم لازم، أو على سبيل الحق فيه دلالة موجودة، وعليه إذا كان فيه بعينه حكم اتبعه، وإذا لم يكن فيه بعينه طلب الدلالة على سبيل الحق فيه بالاجتهاد".وهذا ما يستدعي الاجتهاد لاستنباط الفروع الجديدة من الأصول الثابتة، لتستظل بهذه الفروع الجديدة مساحات من الوقائع والمشكلات لم تكن موجودة من قبل !
فضلا علي أن العمل الاجتهادي قبل تأسيس المذاهب الفقهية في عصر التابعين يتمثّل غالباً في استنباط الحكم من الكتاب، فإن لم يوجد فيه فمن السنّة، وإن لم يوجد في السنّة فمن قول صحابي، له فتوى في تلك المسألة. فهم ورثوا من الصحابة مسالك استنباطهم، ومروياتهم فكانوا عند عدم النص، يعودون إلى المصلحة، والقياس، والعمل بالرأي، في التعرف على الأحكام الشرعية لتلك النوازل .
ثمة نقطة جديرة بالاشارة إليها ، ألا وهي : أن الاجتهاد منوط بأهل الفقه ، وليس متروكا لعوام الناس ينتحله من لا علم له.
وثانيهما: أن الاجتهاد في الشريعة الإسلامية ينبغي أن يكون شورى بين أهل العلم. وفي ميدان من ميادين الاجتهاد ، وفي زعمي بأن البرامج المتلفزة ليست من ميادين الإجتهاد!!
ناهيك عن البرامج التي تحب ، بل وتصنع ، الخروج علي الثوابت المستقرة ، والبحث عن الأقوال الضعيفة والشاذة تذكية لإثارة البلبلة. الفكرية ، وتكديرا للفهم العام بلإلقاء مخلفات الأقوال ،امام المارة وفي طريقهم ،؛ النتيجة الحتمية حينئذ واحدة من اثنتين: إما ذيوع هذه الآراء واتباعها من قبل البعض ، أو تعريض المتحدث لسيل من القذائف القولية والسباب والتطاول وكل ما من شأنه تقليل قيمة العلماء في نفوس الغالبية . وفي كلتهما مصيبة مجتمعية!
لقد أحزنني لدرجة احتقان مزاجي واختلال اتزاني ، أن أري أستاذاً كبيرا يلقي علي مسامع العوام والخواص ما يخالف الثوابت الفكرية والعلمية دون استشارة من أهل الحل والعقد من العلماء ، ومن ميدان غير ميادين الإجتهاد ، وبنفس درجة الاحتقان ، لم يعجبني البتة التطاول والسب واللعن والتجريح من كثير من العوام وقليل من العلماء . لهذا المتحدث الذي أزعم إنه مفتون بالاعلام وحب الظهور ، وحب المخالفة ، ولو أنه تخلي ذلك لكان شأن آخر .
في نفس الوقت أرفض وبشدة الحط من أقدار ذوي الشأن ( حتي في لحظات خطئهم العلمي ) فإن قيل بأن المتكلم حاد عن الجادة والخط الثابت ، اقول : ولو ، فما للنقد البناء والتفنيد الموضوعي والبجاحة والتوقح وإساءة الأدب ؟
إن نشر سموم التطاول والسب والقذف لكل من لا يعجبنا رأيه ( حني ولو كان مخطئا ) ، يجب أن يتوقف عند حده حتى لا تكون قاعدة تؤدي إلي فتنة. وفي نفس الوقت يجب أن يلتزم جميع المستضفين بتهذيب خطابهم وإخضاعه لمتطلبات المصلحة الوطنية، ولما تمليه الأمانة العلمية ، وان يعلموا أن للعلم حرم فلا ينبغي أن يخرج علي غير اهله ، وان يعلموا أن الشاشات ليست ميدان من ميادين الإجتهاد! .
فعلي كل من ينفذ من منصة إعلامية الإلتزام بضوابط و آداب الظهور ، وعدم خرق قوانين السلامة المجتمعية ، فإن التزم ذلك ،ــ فبها ونعمت ــ، وإن لم يلتزم ، فقد أجج الجو العام وفتح علي نفسه باباً لايسد من التطاول والاتهام والسب والقذف من السوقة ، واللوم والملامة من أهل العلم .