الجمعة 6 يونيو 2025 12:51 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شبراوى خاطر يكتب : فجر الضمير الذي أشرق هنا ولابد أن يعود هنا.

الكاتب الكبير شبراوى خاطر
الكاتب الكبير شبراوى خاطر

في عام ١٩٣٤ عندما قام "جيمس هنري بريستيد" بوضع كتابه (فجر الضمير)، أراد بذلك الكتاب العظيم أن يؤكد للعالم بأن الضمير والأخلاق والحكمة أول ما نزلت إنما نزلت على قدماء المصريين، ومنهم تعلم العالم الخير والسلام وجمال الأخلاق الإنساني في أبهى صوره.
وعندما قال: لقد تتبعنا ذلك التطور الطويل الذي مر فيه الاعتقاد بالمسئولية الخلقية في الحياة الأخرى، وهو اعتقاد كان حاضراً في أذهان بناة الأهرام...
وبعد عصر الأهرام ببضعة قرون، نجد أن ذلك الاعتقاد قد أخذ يحدد ويُعين بحالة أوضح مما كان عليه من قبل.

وتمر القرون، ولا يزال الاعتقاد الأخلاقي العظيم بتوخي العدالة سواء في كلمات "الفلاح الفصيح" الذي لا صديق له في قوله "لمدير البيت العظيم" عند مرافعته عن نفسه مطالباً إياه بتوخي العدالة: "إحذر أن الأبدية تقترب". هذا الكلام صادر عن فلاح مصري قديم موجهاً لشخصية قوية ذات سلطة ومهابة وحيثية، وقد يكون ذلك أحد أسرار الحضارة المصرية القديمة، حضارة تستند إلى الأخلاق الإنسانية الرفيعة.

وتمر القرون، ولاتزال الأخلاق العظيمة هي التي تحكم مشهد الحياة المصرية، حتى نرى أن"أميني" أمير مقاطعة "بني حسن" العظيم وقد نقش على باب قبره بجنوب المنيا سجل أعماله الصادرة عن العدالة الاجتماعية فيما يختص بمعاملته لرعيته، راجيا أن يكون ذلك السجل خير جواز مرور يتخذه للذهاب في سفره إلى عالم الآخرة.

ويضيف الأستاذ "بريستيد": تُبين لنا متون التوابيت بجلاء أن الشعور بالمسئولية الأخلاقية في عالم الآخرة قد تعمق تعمقاً عظيماً في نفوس القوم منذ عصر الأهرام إلى ذلك الزمن، ومنذ مرافعة "الفلاح الفصيح" في تظلّمه المسرحي ضد "مدير البيت العظيم" قد صارت إذ ذاك تحتل مكانة واقعية عظيمة.

وتمر القرون، وبظهور الدولة المصرية الحديثة بعد سنة ١٦٠٠ ق.م نجد أن الأدلة التي تكشف لنا عن ذلك التطور الخلقي طويل الأمد قد ازدادت في كميتها وفي أهمية قيمتها، وبخاصة فيما يبين لنا شعور المصري المتزايد بمسئوليته الشخصية عن نوع أخلاقه، ذلك بأن مرحلة التفكير لهذا التطور الخلقي قد تقدمت تقدماً محسوساً، لأن المصري القديم في ذلك الوقت كان قد تعمّق في التفكير في طبيعة نفسه البشرية، وكان من نتائج ذلك أن صار المفكرون من المصريين -أنئذ- يرون أن المسئولية الخلقية لكل إنسان مترتبة بصفة قاطعة على إدراكه وفهمه الشخصي.

وتمر السنون، إلى أن نعلم بأن آراء الحكيم "بتاح حتب" عن القلب من حيث نعته له بالمرشد الحكيم قد استمرت، إذ في خلال القرن الخامس عشر قبل الميلاد. أصبح في ضمير المصري القديم حيث يقولون أن "قلب الإنسان هو إلهه". فكل ذلك يدل على أن المصري القديم قد صار حينئذ شديد الحساسية تجاه الوازع الخلقي الذي كان المدد والسند لتأسيس حضارة علّمت العالم معنى الإنسانية.

ونخلص من هذا السرد -الموجز جداً- الذي يعتبر نقطة في بحر الحضارة المصرية القديمة لكي أشدد على أهمية ان نصحو من غفلتنا وتكاسلنا، وأن نتبع الحق، والحق احق بأن يُتّبع، بأننا إذا أردنا حقاً لأن نقوم بإعادة "بناء الإنسان المصري" المعاصر، ان نعود إلى أزمنة سحيقة فاتت، ونقوم بتأسيس وتنشئة الإنسان الجديد بنشر تعاليم وثقافة الأجداد، ولا نلتفت كثيراً لإستيراد أخلاق لا تناسبنا، فلدينا الكنز الأخلاقي العظيم الذي يكفي البشرية جمعاء. وهو الكنز المخبأ داخل صندوق قديم نجلس عليه في قارعة طريق العالم لكي نتسول أخلاق جديدة سطحية وهشة لتطمس هويتنا الأساسية.

ولقد قابلت في حياتي مؤخراً، سيدتين عظيمتين من سلالة المصريين القدماء، هما السيدة العظيمة "سهير المصري" رئيس مجلس أمناء "مؤسسة الثقافة للطفل والعائلة"، سيدة مصرية عظيمة عاشت معظم سنوات عمرها في أمريكا وتركت حياتها هناك لكي تعود إلى ارضها وتؤسس جمعية لنشر الفضيلة والقيم المصرية القديمة من أجل بناء ثقافة الطفل والعائلة ولا تزال تحفر في الصخر لكي تصل وتذهب إلى أطفال الوطن لكي تذكرهم بماضيهم الأخلاقي والقيمي العتيد في أنشودة عطاء مذهل، لقد اقتربت منها وعملت معها، ولا أزال أهتم بالعمل معها.

والسيدة العظيمة الأخرى، التي التقيت بها في "مؤتمر الروتاري المصري للاستدامة في أسيوط"، وأسمها أيضاً الدكتورة "سهير السكري" الرئيس الأسبق لدائرة اللغة العربية بهيئة الأمم المتحدة،، عالمة اللغويات، والتي أراها شديدة الحساسية بما يخص اللغة العربية والتي تحارب كل الظروف لتعليم الأطفال والكبار اللغة الهيروغليفية، وتعيد نقش الحضارة على جدران عقول أطفال مصر وهي من قالت: «يجب أن نسرع بتعليم أولادنا قبل سن السادسة وفوات الأوان.. الأطفال هم الأمل الحقيقى، ولابد من تنمية ذكائهم بطريقة عِلمية، والعطاء الكبير هو مساعدة الدولة في بناء أجيال قادرة على حمل الراية بسواعد قوية وعقول مستنيرة».. بهذه الكلمات عبّرت الدكتورة "سهير السكرى"، عن ضرورة الاهتمام بتعليم النشء وتنمية مهاراتهم منذ الصغر."
. لقد تعلمت منهما الشغف لنشر القيم الحضارية المنسية، والتي ينبغي لنا ونحن نعلق آمالاً عظيمة لبناء الإنسان المصري أن ننظر إلى أحلامهما الأحلام غيرهم لإعادة تشكيل الوعي بالأخلاق والضمير الذي بدأناه من آلاف السنين. فلديهن حلم ورؤية وخطة تحتاج إلى مساندة كافة المؤسسات وكل أطياف الشعب الذي يواجه مخاطر العالم الأحمق الغبي كن حولنا ولا سبيل لنا للنجاة إلا بعودة نشر نظامنا القيمي والأخلاقي الخاص بنا."

فجر الضمير الذي أشرق هنا ولابد أن يعود هنا. شبراوى خاطر الجارديان المصرية