الإثنين 9 يونيو 2025 03:35 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شحاتة زكريا يكتب : ماسك وترامب.. حين يحكم الطموح التكنولوجى السياسة!

الكاتب الكبير شحاتة زكريا
الكاتب الكبير شحاتة زكريا

لم يكن التحالف بين دونالد ترامب وإيلون ماسك سوى هدنة مصلحية في مشهد أمريكي معقّد، تتداخل فيه السلطة بالمال والاقتصاد بالهوية السياسية والتكنولوجيا بالعصب الحاكم للدولة. فمنذ اللحظة الأولى بدا أن العلاقة بين الرئيس الأمريكي الغريب الأطوار ورائد الأعمال الذي يسكن على حدود الجنون والعبقرية علاقة قابلة للاشتعال أكثر من استعدادها للاستمرار.

في الحقبة الثانية من ولاية ترامب كان منطق التحالف قائما على «التوازن بين الحاجة والتأثير». احتاج ترامب ماسك ليضفي على إدارته صبغة تحديثية – من حيث الشكل على الأقل – في ملفات تتعلق بالحكومة الرقمية والكفاءة الإدارية. واحتاج ماسك بدوره إلى المظلة السياسية التى تضمن له استمرار العقود والدعم الحكومي وتوسيع نفوذه داخل واشنطن.

لكن كما يحدث دائما مع الطموح غير المقيد اصطدمت الرؤيتان. مشروع ترامب لخفض الضرائب والإنفاق لم يكن مجرد سياسة مالية ، بل تجل صارخ لفلسفة اقتصادية ترى فى تخفيف الأعباء على الأغنياء طريقا للنمو فيما رآه ماسك شرا مقيتا حسب تعبيره وعملية سطو على الطبقة المتوسطة لحساب النخبة.

المفارقة أن ماسك نفسه أحد أقطاب تلك النخبة.

لكن خلاف المال لم يكن إلا ستارا لشرخ أعمق. فقد قرر ترامب إلغاء الدعم الضريبي على السيارات الكهربائية وهو القرار الذي أصاب «تسلا» في مقتل وبدد أكثر من 100 مليار دولار من قيمتها السوقية. وهنا خرج ماسك من عباءة التحالف وبدأ هجوما مباشرا شمل تهديدات سياسية وتلميحات أخلاقية بل وحتى شائعات تتعلق بفضيحة إبستين.

في المقابل لم يتأخر ترامب في الرد ملوحا بإنهاء جميع العقود الفيدرالية مع شركات ماسك. لم يكن ذلك رد فعل رئيس غاضب بل رسالة صريحة عن حدود الصلاحية فى علاقة السلطة بالتكنولوجيا: مرحبا بك ما دمت فى صفى وأنت خصم إذا خرجت عن النص.

هذه ليست المرة الأولى التي تدخل فيها التكنولوجيا ملعب السياسة لكنها واحدة من أكثر المرات وضوحا في تجليات الصراع. لم تعد شركات التكنولوجيا طرفا محايدا أو مجرد فاعل اقتصادي بل باتت ركنا أصيلا فى تشكيل الرأى العام وتوجيه القرار السياسى بل وربما – كما لمح ماسك – في تغيير نتائج الانتخابات.

الملفت أن الصدام انتهى بشكل مرتبك كما بدأ. حذف ماسك تغريداته واحتفظ ترامب بلغة التهديد وكأن الصراع مؤجل لا منته. هل يعود التحالف؟ ربما. فالرجال لا يحكمهم الانسجام الشخصي بقدر ما توحدهم المصالح.

لكن الحقيقة الكبرى التي يكشفها هذا المشهد أن السياسة الأمريكية لم تعد محصورة في البيت الأبيض أو أروقة الكونجرس. هناك مراكز قوى جديدة تتشكل، يقودها رأس المال التكنولوجي، ويحركها طموح الأفراد الذين لا يعترفون بالحدود التقليدية للسلطة.

في عالم ما بعد الحداثة لا تكتفي التكنولوجيا بصناعة المستقبل.. بل تصنع الرؤساء أيضا.

شحاتة زكريا مقالات شحاتة زكريا ماسك وترامب.. حين يحكم الطموح التكنولوجى السياسة الجارديان المصرية