شبراوى خاطر يكتب : أين صناعة العلاقات العامة العربية ؟


عندي سؤال أوجهه الى خبراء العلاقات العامة من الأكاديميين والممارسين ورجال السياسة والاقتصاد وعالم الأعمال او وزارات ومؤسسات الإعلام للدول العربية المتناحرة فيما بينها أو إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية والمنظمات التابعة لها المقيدة بلوائح وقوانين عفا عليها الزمن، ولم يُترك لها سوا أنشطة الشجب والأستنكار ولطم الخدود وتدبير رواتب القائمين عليها.
فمن خلال استعراض التصنيف المنشور حديثاً لوكالات العلاقات العامة العالمية حسب أرقام إيرادات العديد من الوكالات الشركات التابعة - بما في ذلك شركات البحث والإعلان وشركات العلاقات العامة المتخصصة - والتي يعمل الكثير منها تحت علامات تجارية منفصلة.
نلاحظ للأسف، ان من بين مائتين وخمسين شركة لا توجد سوى شركة واحدة تُنسب الى المملكة العربية السعودية.
والسؤال الذي أطرحه هنا هو: أليس من المخزي حقاً، أن لا نرى في هذا التصنيف السنوى سوى شركة عربية وحيدة، وهي شركة خاصة تأسست في المملكة العربية السعودية عام ١٩٩٨، ثم افتتحت فرعين في القاهرة ودبي عام ٢٠٠٠.
وبعض الوكالات ضئيلة الحجم تقدم بعض الخدمات الاتصالية الشكلية، وحفنة من الشركات الدولية بالمشاركة مع شركات صغيرة معظم مؤسسيها من غير العرب.
أليس من العار أننا وطن يتكون من ٢٢ دولة بأسمائها وأعلامها وشعوبها وقضاياها ومشاكلها واحلامها وطموحاتها، وبمساحة جغرافية تقدر بأكثر من ١٣ مليون متر مربع متصلة بلا معنى لكن منفصلة بشكل مدبّر، يسكنها أكثر من ٤٣٠ مليون نسمة، وبما يمثل حوالي ٥٪ من سكان العالم ولكنهم كالهشيم تذروه أقل رياح، حيث تعتمد معظم هذه الدول على اللجوء الى التعاقد مع وكالات علاقات عامة امريكية وانجليزية، لتحقيق أهداف اتصالية داخلية وخارجية، وفي اغلب الأحوال، تكون تلك الأهداف موجهة ضد بعضها البعض.
ألم يأن لمن يتباكون في المؤتمرات والندوات وحفلات الكوكتيل الدبلوماسية عن ضآلة وانحطاط الصورة الذهنية العربية ان ينتبهوا لضرورة وجود وكالة علاقات عامة عربية وطنية صرفة، باستثمارات عربية وقوى بشرية عربية وطنية، لتولي وضع الاستراتيجيات والبرامج الاتصالية وقياس الصور الذهنية الكلية للعرب والفردية لكل دولة بشكل بيني إقليمي وبشكل دولي.
للعلم: منذ بزوغ عصر العلاقات العامة وانسلاخها من حضن "الدعاية" لعبت دورا مهما في تطور ونمو الدول التي تبنت هذه الصناعة بشكل جدي.
وهل نندهش عندما نكتشف ان وكالات العلاقات العامة الامريكية تمثل ما يقرب من نصف عدد الشركات في هذا التصنيف، وأن ثلاثة دول كبرى تمثل اكبر اقتصاديات العالم هي أمريكا وانجلترا وألمانيا تمثل ما يقرب من خمسة وسبعين في المائة من إجمالي عدد شركات التصنيف، ومعظم هذه الوكالات لديها فروع في مختلف دول العالم.
ولنضرب هنا مثال واضح لعبته وكالات العلاقات العامة في حرب الخليج الثانية، التي وُصفت بأنها "أم المعارك"، أو "حرب تحرير الكويت" وأطلق عليها عسكريًا أيضًا اسم عملية "درع الصحراء. وبعد ذلك أُطلق عليها اسم عملية "عاصفة الصحراء"، وهي الحرب التي شنتها قوات التحالف المكونة من 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضدّ العراق.
وأثناء تلك الحرب، قامت الولايات المتحدة بعدة إجراءات لاستمالة الراي العام في الشارع الأمريكي إلى القبول بفكرة التدخل الأمريكي في مسألة الكويت حيث برزت أصوات معارضة للتدخل في الشارع الأمريكي وأحد هذه الإجراءات كانت إنشاء «منظمة مواطنون للكويت الحرة» والتي تم تمويلها بأموال كويتية حيث قامت بحملات إعلامية لكسب ود الشارع الأمريكي والعالمي عن طريق توظيف شركة «هيل أند نولتون» بمبلغ 11 مليون دولار. كما قامت سفارة الكويت في واشنطن برعاية العديد من برامج الإذاعة والمناسبات الرياضية في دعم القضية الكويتية ووزعت السفارة 200 ألف نسخة من كتاب «اغتصاب الكويت» على البرامج الحوارية والصحف اليومية وجنود الجيش الأمريكي. مما أدى إلى أن وافق مجلس الشيوخ الأمريكي في 21 يناير سنة 1991 على استخدام القوة العسكرية لتحرير الكويت.
وليس هذا فقط، فقد قامت وكالة "هيل أند نولتون" بالتنسيق مع سفارة دولة الكويت بإنتاج فيلم توثيقي مفبرك لتصوير وحشية الجيش العراقي في فيلم تم تصويره في الولايات المتحدة، ليظهر تناثر أجنة الاطفال حديثي الولادة في اروقة مستشفى كويتي، الأمر الذي أدى الى إثارة الغضب العظيم حول جيش صدام حسين، من اجل اكتساب المبررات اللازمة لغزو العراق واسقاط نظام "صدام حسين" ومهّد السبيل لسلب مقدرات العراق وتفتيت الدولة برمتها، ومن وقتها لم تقم قائمة للعراق.
هذا مثال واضح عن دور وكالات العلاقات العامة الغربية كسلاح فتاك لضرب هذا الوطن الغافل في مقتل وتحقيق أهدافها الخفية والمخطط لها منذ فترات بعيدة للسيطرة على الثروات العربية، وطمس الثقافة والهوية القومية لدولها.
والسؤال الأخير هو؛ أليس من الخطير أن تُسند قضايانا واسرارنا وأهدافنا المستقبلية الى كيانات معظم اصحابها ليسوا مخلصين تماماً، ولا نعلم نواياهم وخفاياهم.
انتبهوا يرحمكم الله.
لعلكم_تعقلون