الجمعة 13 يونيو 2025 12:35 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د. هاني المصري يكتب : قوافل إغاثة بلا بوصلة .. كيف يخدم التضامن المزيف أجندة العدو؟

دكتور هاني المصري
دكتور هاني المصري

رغم تعقيدات الجغرافيا السياسية المحيطة بقطاع غزة، لا تزال مصر تتحمل وحدها عبء التوازن بين موقفها التاريخي تجاه القضية الفلسطينية، وموقعها الجغرافي الذي جعل من معبر رفح محورًا لصراع الرموز والمواقف. وفي هذا السياق، تتكشّف حملة ممنهجة تقودها دوائر أمريكية وصهيونية – مباشرة أو عبر أدوات عربية – تهدف إلى وضع مصر في دائرة الحرج، بل الاتهام.

قوافل "الإغاثة" الرمزية: هل هي دعم لغزة أم ضغط على مصر؟
في مشهد يبدو للوهلة الأولى إنسانيًا ونبيلًا، تنطلق قوافل إغاثية من دول كـ تونس والجزائر وليبيا، رافعة شعارات دعم غزة. لكن بدلًا من استخدام موانئها المطلة على المتوسط لتوجيه سفن إلى السواحل الغزية – الممتدة لأكثر من 40 كم – تُصر هذه القوافل على سلوك الطريق البري عبر مصر، تحديدًا معبر رفح.
السؤال الجوهري هنا: لماذا هذا الإصرار على المسار الأكثر تعقيدًا، رغم توفر بدائل بحرية مباشرة لا تمر عبر الأراضي المصرية؟

التوظيف السياسي لمأساة إنسانية
الجواب، كما يظهر من قراءة المشهد، لا يكمن في الدعم الحقيقي لغزة بقدر ما يكمن في التوظيف السياسي لمعاناة الفلسطينيين. فالقوافل تتحول إلى أدوات ضغط، والبوابة المصرية إلى مرآة يُراد تشويهها. والهدف: نزع المصداقية عن الدور المصري، وتصويره كامتداد للحصار بدلًا من كونه صمام أمان للمنطقة.

دور مصري ثابت في وجه التهجير والتصفية
ما يغفله من يتهم مصر بالتواطؤ أو المشاركة في الحصار هو جملة من المواقف الصلبة والواضحة التي اتخذتها القاهرة منذ بدء العدوان:

رفض قاطع لسيناريو التهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء، وهو ما أعلنه الرئيس المصري صراحة أمام المجتمع الدولي.

تحركات دبلوماسية نشطة في مجلس الأمن والمحافل الدولية لإيقاف العدوان وإدخال المساعدات عبر آلية تضمن السيادة الفلسطينية.

مناورات عسكرية ورسائل ردع تعكس أن الأمن القومي المصري لا ينفصل عن سلامة الجبهة الفلسطينية.

ورغم كل هذه المواقف، ارتفعت الأصوات التي تتهم مصر بخيانة غزة، وتجاهلت أن كل مسارات الدعم الفعلي، سياسيًا ولوجستيًا، تمر عبر مصر لا غير.

صناعة صورة مغلوطة... من المستفيد ؟
هنا تبرز الخطة غير المعلنة: تحويل مصر إلى الخصم الظاهر، وإبعاد الأنظار عن المجرم الحقيقي. فما أسهل أن تُلقى اللائمة على بوابة مغلقة، وأصعب أن تُواجه الحصار المفروض بحرًا وجوًا وبقرار دولي يحظى بدعم أمريكي وتواطؤ أوروبي.
في هذه المعادلة، يصبح الهجوم على مصر خدمة مجانية للعدو الصهيوني، وتفريغًا للغضب العربي في الاتجاه الخاطئ.

وختاماً .. رفح ليست المشكلة... بل الشاهد
معبر رفح ليس عقبة، بل شاهد على أزمة أعمق: أزمة وعي. فالمطلوب اليوم من الشعوب والحكومات العربية أن تميّز بين التضامن الحقيقي والمزايدة السياسية. بين من يفتح المعابر بالمواقف، ومن يسدّها بالتواطؤ الرمزي.
مصر، رغم الضغوط، تُصرّ على رفض تصفية القضية، وتتمسك بخيار الدولة الفلسطينية. لكن حتى هذا الخيار أصبح مهددًا، لا بفعل العدو فقط، بل أحيانًا بفعل أقرب الأشقاء حين يخلطون بين الحشد الإعلامي، والعمل السياسي الحقيقي.

في النهاية، ليس كل من حمل راية غزة صادقًا، ولا كل من واجه الابتزاز خائنًا.

د. هاني المصري قوافل إغاثة بلا بوصلة ..كيف يخدم التضامن المزيف أجندة العدو؟ الجارديان المصرية