السيناريست عماد النشار يكتب : الله أكبر كبيرًا...


انتهت مناسك الحج قبل ساعات، وعاد الحجيج من عرفات، حيث بكى كل قلبٍ وانسكب كل وجعٍ في دعاء، عادوا وقد خلعوا عن أرواحهم أوزارها كما يخلع المحرم عن جسده ثوب الدنيا،عادوا وقد مرّوا بمواقف تجلّت فيها المعاني، من الطواف حول الكعبة كأنهم يدورون حول رحمةٍ لا تنتهي، إلى الوقوف بعرفة، ذلك المشهد العظيم الذي يشبه وقوفنا أمام الله حين تضيق بنا الحياة ولا نملك سوى "يا رب".
كذلك كل إنسان، وإن لم يكن حاجا، له عرفة خفية يقف فيها كلما ضاقت به الأرض، ولكل قلب مزدلفة يسكن فيها للحظات من الرجاء، ومنى يُذبح فيها ألمه على نية التقرب من الله.
كان يظنّ أن الأيام لا تمضي، وأن الوقت متحجر عند عتبة الحزن، متوقف كعقرب ساعة كُسر قبل أن يُعلن نهاية التعب، يشعر أنه بالكاد يقف، بالكاد يتنفس، بالكاد يكون. وكلّما قال في نفسه "لقد بلغ بي الألم مداه"، جاءه من الله لطف لا يُدرك وصفه، كأنه طيف من رحمة، ينساب بين تفاصيل يومه دون أن يُحدث ضجيجًا، ودون أن يسأله أحد كيف صبرت كلّ هذا الوقت؟
ما من أحد يرى ما يراه الله فيك، ما من أحد يسمع أنينك الصامت حين يخنقك الهم وأنت تجاهد لتبتسم، وما من أحد يفهم معنى أن تنهض كلّ يوم وكأنك تُعيد بناء نفسك من حُطامها سوى الله، هو وحده من يعلم عن تلك اللحظة التي قلت فيها "رضيت"، بينما الرضا نفسه كان بعيدًا عن قلبك. يعلم عن المرات التي قلت فيها "أنا بخير"، وقد كنت على وشك الانهيار، فهو سبحانه يعلم ماتوسوس به نفسك واقرب إليك من حبل الوريد.
ثم تأتي الآية، كأنها نزلت لتسند روحك وحدك،
"أليس الله بكافٍ عبده؟"
كأنها تربت على قلبك، وتقول لك لا تخف، لا تحزن، لا تستوحش الطريق.
في الحج، لبّى الناس بنداء "لبيك"، لكن كم من القلوب في الأرض تلبي نداء ربها في خفاء؟ كم من قلب محروم من تلبية الفريضة ، لكنه واقف بين يدي الله بقلب حاج، ونفس منكسرة تتطهر بالدمع.
الله لا ينسى عبدًا ناجاه في الظلام، ولا غافل عن عينٍ بكت وهي لا تريد أن يراها أحد، ولا عن صدرٍ ضاق لكنه ما توكل إلا على الله، الله يظهر لك نوره في ألف طريق ضيق، حتى تظن أن المعجزة تسكن التفاصيل ،ربما عبر دعاء في السحر، أو خاطر صغير مرَّد بك وأنت لا تدري أن فيه نجاتك، أو محبة في قلب غريب دعت بظهر الغيب "اللهم فرّج عنه".
الله أكبر من كل شيء كدّرك، أكبر من تلك الليالي التي ظننت فيها أنك هالك، أكبر من المرض، من الفقد، من الخذلان، من الضعف، من الضياع، يكفي أن تقولها من قلبك…الله أكبر كبيرًا
حتى تدرك في أعماقك أن ما أُغلق سيفتح، وأن ما ضاق سيتسع، وأن ما أبكاك اليوم قد يُدضحكك غدا.
هو الله، حين تظن أنك وحدك، يكون معك. هو الله، حين لا تفهم ما يحدث، يدبر لك الأمر كله بلطف خفيّ لا يُرى، ولكن يُشعَر، هو الله، الذي حين تخبره سرك لا يُفشيه، بل يبدّله سَكينة
لا أحد يشبه الله حين يُنجيك، حين يُعطيك، حين يُحبّك في خفاء، ويكسوك صبرًا لا تدري كيف نزل عليك.
تذكّر،{لا تخف ولا تحزن إنّا منجوك}
فلك قلب سمعه الله حين لهج لسانك بالحمد …سمع الله لمن حمده ، وهو أولى بأن يُسعِده.
فافتح له قلبك، وتوكل عليه وأقبل لتطئن
ألا بذكر الله تطمئن القلوب .