الجمعة 13 يونيو 2025 05:03 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

دكتور كمال يونس يكتب : مونودراما ...عزف على أوتار قديمة عن المجموعة القصصية شيطان الحب للأديب السعودي جاسم على الجاسم

دكتور كمال يونس
دكتور كمال يونس

(موسيقى خافتة تعبر عن الغموض والحيرة .. إضاءة خافتة .. بالخلفية ظلال لقضبان ..ورجل يرتدى ملابس النوم .. شعره أشعث..ذقنه غير حليقة .. يتحرك بجدية واهتمام .. يبحث عن شيء ما ..يقلب في كل شيء حوله .. يجثو على ركبتيه وكأنه يبحث تحت السرير ..فلا يجد شيئا يتململ ..ثم يقوم ويستمر في بحثه وكأنه يفتح دواليب وأدراج ..فلا يجد ..يستمر في تملله ..وبعد أن يعيه التعب يبدو كأنه يفتش في جيوب بنطلونه المعلق على شماعة .. يفتش في جيوبه .. ثم يتنهد )

:أخيرا هاهو القلم ..ولكن أنى لى بورقة أسطر عليها ما أنتوى كتابته ..آه ..حالي عجب ..وجدت
القلم .. ولكن ..تبا..أين الورق .. بل أين الورقة التى سأكتب عليها ..بحثت في كل مكان ..ماذا
يجدي القلم وحده ؟!!..هل أكتب به على الجدران ؟!!!!!!!!!!..أم أكتب على أرضية الغرفة
..تدفعنى رغبة مسيطرة ..جارفة أن أكتب .. نعم لابد أن أكتب .. حتى لو اضطررت للكتابة على
الجدران من حولي..نابشا إياها بأظافري ..أم أكتب على الأرض ..لابد لى من الكتابة ..نعم لابد
لي من الكتابة الآن ..أحس بكل كياني ..أنها لحظة إبداع لابد لى من رصدها .. (صوت قهقهة في
الخلفية ) أسخر ما شئت .. نعم كم كنت أكتب ..من فيض معاناتي ..كم كانت أفراحي وأتراحي المداد
لإبداعاتي .. دأبت على ذلك ولعقود عديدة .. (صوت قهقهة طويلة) نعم نعم ..لم أترك
لأولادي سوى أكوام من الأوراق يعلوها الغبار ..مصفرة ذابلة..فلكم نقشت الأيام على ذاكرتى ولابد لى
من تدوين ما مررت به ورأيته ..(صوت قهقهة) ولم السخرية ؟!!!..كفي سخرية ..تلك
لحظة إبداع ..بل مكاشفة لم أسع إليها ..ولكنني المجبر المجبر ..لماذا ؟..لا أعلم !!!!
( صوت ضربات سياط تتردد في الخلفية )هل لأنك شغلتني طيلة حياتي عن المواجهة مع نفسي
..فجرفتني الحياة ودهستني عجلتها الدؤوب .. والحياة لا تبالى يا هذا لكأنها قطار منطلق نحو محطات
معينة لا يبالى بالمنتظِرين ..أو المنتظَرين ..قطار منطلق لا يعبأ بالمشاعر من شوق أو أمل أو يأس
..حرمتني حنى تأمل تصاريف القدر .( يتكرر صوت ضربات السوط)جعلتني في هروب دائم من أى
مواجهة مع نفسى ..
( صوت آهات معاناة )..وها أنا ذا أعانى وحدى إحباطا يشدني إلى هوة عميقة..تصم أذنى صرخات
ألم وصرخات حزن وكآبة وملأت حياتي بالمعقول واللا معقول ..حتى غابت عني الإجابات الشافية
للعديد من التساؤلات التي تضج بأعماقي ..إيه يا هذا كم أبعدتني عن الواقع فأصبحت في عالم آخر ..آه
يا ليتني استطعت برمجة أفكاري بقوة لعبة الكراسي المتحركة .. كنت سأحيى أيامى ببرود ودون
خشية ألم أو قهر .. و لنجحت في التحكم بانفعالاتي .. ولكنك تسلطت عليَّ فحصل لى هذا كله .. لذا
يجب أن أتحكم بنفسى دون انفعال وأبعد عنك .. وعن سكان الكوكب وصخبه ..ولكن ..(صوت قهقهة)
لا داعي للسخرية والاستهزاء ..قلت لا داعي ..السخرية لا تتناسب وجلال اللحظة ..أم تلك
قهقهات تشفٍ ..( وكأنه يتواجه وصاحب القهقات..صارخا مستعطفا) أرجوك كفي ..كفي ..فلقد 11
جعلتنى أعيش حالة تردد رغم أني أميل إلى التراجع عن المستقبل والبقاء مع حاضري..ولكن مالى
أراني مرغما على التفتيش في الماضي ..( ثم يصرخ في تحد)أغرب عني ..دعني .. دعني.
(صوت موسيقى حالمة وأضواء بنفسجية تتناثر حوله )
:كنت أبحث عن حب ..يفوق حب قيس وليلى .. حب يتعدى الأحلام ..لم أره في حياتي كم تخيلت وجودها
أمامي ( كأنه يطارد طيفها) وحاولت الامساك بها وإذا هي سراب.
(تتبدل ملامحه وكأنه يخاطب حبيبته )
: أري العلاقة بيننا غير سليمة ..ولن تستمر ..حاولت جاهدا أن اقترب منك .. وأكون لك زوجا وشريكا
وحبيبا .. لكن كلما فعلت ذلك ابتعدت عنى ..ولم أجد منك إلا نفورا .. لا أريد أن اظلمك معي فأنا لا
أستطيع مواصلة المشوار معك .. اذهبي إلى بيت أهلك وستصلك ورقة طلاقك ..(ضحكة أنثوية
ساخرة)..أتعلنين انتصارك الرخيص ..( ثم يضحك ساخرا)
: ماذا تقولين ..(ويقلدها ساخرا )أنا لست كما تظن .. لقد صحوت من غفلتي وسأعيش زمن التغير
أنت ما زلت في غفوة الماضي .. يا لك من عاشق مجنون ..ارحل فلا تحلم بأنى سأعود إليكَ .. هذا حب
مضى وولى استيقظ يا هذا ..كنت أحبكِ .. واليوم صحوت ..وأنتَ يا مسكين لا تزال تحلم بالماضى ..
..كنت فقير الحال وما تزال .. بلا جاه ولا مال .. والحب يحتاجهما لأنهما الأقوى وهما للحياة وللحب
أجدى ( ضحكة أنثوية ساخرة ثم تتبدل ملامحه مخاطبا إياها )..الحب ..الحب ..أين أنت منه ..مثلك لا
يعرفه ..بل نطقكِ لكلمة الحب إنما هي تدنيس لجلاله..أفيقي من وهمك القديم ..قد تكسرين قلبي ولكن
لن تكسري كرامتي ..( ضحكة أنثوية ساخرة )ها أنت تهللين فرحى و قد انفرجت أسارير وجهكِ عن
ابتسامة صفراء ..وبرزت أنيابك التي يقطر منها دمى وعلى ثغرك ضحكة صفراء..(وفي لهجة المعتد
الواثق من قراره يبدو أنه سيوليها ظهره ثم يلتفت إليها ) كل حقوقك دون ان ينقص منها شيء
ستكون مع ورقة الطلاق (ضحكة أنثوية تعبر عن الانتصار ..ويسير كمن تركها ..موسيقى
حزينة ..ثم يعود مخاطبا إياها) ..آه ..آه..بعض البالونات تسقط على أرض الواقع والحقيقة وبعضها
الآخر ينفجر في الجو .. فيصل إلى الأرض حطاما .. لقد كنتِ بالوناً في الهواء..أضخم بكثير من
البالونات حولي ..بالونا كبيرا مزركشا بالألوان..أنا من قمت بنفخه ..من هواى ومن جنونى ومن
ظنوني ..لكنه أجوف ..أجوف لا يحمل سوى الهواء الهواء .. وارتبط أملي به.. وظلت عيناي
مشدودتين إليه خشية السقوط ..ولفرط حرصكِ وخوفكِ تلاشت ابتسامتك.. وظهرت خطوط خفيفة
على جبينكِ تؤكد تقطيبها المستمر .. ونشطت أعصابكِ لتمدكِ بطاقة زائفة لتحمل خوفكِ وحرصكِ
الزائد ولكن لكل شيء
في الوجود طاقة واحتمال فتحول الصمت إلى صوت يجرح ويدمى وتحول السكوت إلى شيء مزعج
..ارحلي عن حياتي .. بل اخرجي منها ..( ويشير بيمينه إلى قلبه )سأنتزعك انتزاعا من قلبي ..فلست
آسفا عليك .. نعم نعم ..أنت ما زلت وردة ..ولكن أوراقها الحمراء القانية تحولت إلى لون بني داكن
نضب منه ماء العطر وجفت الأوراق ..ولكن الشيء الوحيد الذي ما زال قويا.. هو أشواكها المدببة
الجافة بعد أن ذبلت بفعل تكبرها ..( صوت مطر ورعد والإضاءة توحي بالبرق)..ماذا تقولين
( يقلدها) هذيانك وكلماتك تحاكى سواد الليل ..( ثم يخاطبها) كنت آملا أن تهدينى إلى الخروج من
صقيع المشاعر المتجمدة ..نعم نعم ..ما زلت أبحث بشجاعة الفارس .. وقوة المفترس عن المجهول
الذى طواه الطوفان ..( ضحكة ساخرة ويقلدها ) أما تعبت من التسكع في دروب الحرمان الباردة على
أرصفة الأوهام ( ثم يتكلم بصوته )كنت أبحث عن طفل الحب الذى تاه في ليلة من الليالي ..وبعد أن
حطت العاصفة الثلجية أوزارها ..واصلت الطريق بعناد أو واهما في ليل مظلم بلا نهاية.. فرغم وحشة الليل ..وصدى حفيف الشجر ..وتساقط الجليد ..ما تزال تواصل رحلتك ..ولكنك تركتني في الصقيع بلا حراك أو كلمة وداع.. لقد مات طفل الحب دون أن يشهد رحلتي ( صوت عواء ذئب )

( صوت صفارة قطار يتحرك ببطء ثم تزاد سرعته ثم يطلق صفارته ثانية وتهدأ سرعته
وصوت ضجة في محطات الوصول ..ثم يخفت الصوت تدريجيا ويسمع صوت العصافير
ويتغير لون الإضاءة للون البنفسجى ..دائرة تحيط به ..يعقبه عزف كمان رومانسى حالم..ثم
يتكلم في تردد )
:أعتذر سيدتي يبدو أنك قد نسيت جوالك على المقعد الذى كنت تجلسين عليها ببهو الفندق .. وكنت أجلس على المنضدة المجاورة .. لقد لاحظته بعد انصرافك بدقائق ..وفتشت عنك في أرجاء المكان لعلي أقابلك وأعطيك إياه ..ولعلها تكون فرصة سانحة اشتقت إليها أن أتعرف عليك .. لا تؤاخذينى فلقد رأيتك عدة مرات بالكافيتريا وحيدة تحتسين قهوتك ..عموما هاهو جوالك ..نعم نعم أريد معرفة رقمه لو سمحت لى ..كان يمكن لي أن أعرف رقمه بسهولة ..ولكن بكل أمانة لم أعبث به .. وهو كما تركته ..وأعلمي أن مشاعري صادقة ..( يضحك) نعم أنا شاعر .. واسمحي لي أنى أسمعك ما كتبته منذ عدة أيام وقد أنتظرك مجيئك على استحياء..( موسيقى حالمة) حين انتظرك سيدتي آه.. آه.. من محيط اللا أفق المترامي وأنا الحديث عهد بالإبحار. الدفة ..سكرى ..هائمة ..عائمة..ولا فنار ..والنجوم كل في شأن ..أو تلهو؟ .. أو تتلاهى عنى ؟!..أتداعبني ؟ وتتمنع ..وأنى لي الصبر؟..أو تتدلل ؟!!..ولا تهديني السبيل في بحر لجي عبقته زفراتي....وشراعي مدله ذاهل ..أعطته الرياح العقيم الجدباء صفيرها الباهت البارد...وتلفني..تلفني..في دوامة من حنين..وشوق وتلهف لمرآك..ولقياك .. والمرساة لا أدري أين ألقيها ؟..ولا الفرق بين الشواطئ والخلجان؟..مجاديفي أشواقي..تتصارع..والموج يحملني ..يرفعني ..يلقيني لتصطدم صبابتي بالشاطئ الصخري..تتفتت..تتبخر .. ومركبي يتناثر كحلمي..وأقاوم ..أتشبث .. ململما أشلائي حين أنتظرك سيدتى يأتيني النادل يسألني عما أشرب؟ ..وأنا الباحث عن مهرب .. من كوني وحيدا .. يشرب شايا..وسألته بالله أعطني ورقة..قلما ..نايا..خواطري أنسجها شعرا ..وشعري أصوغه ألحانا حين أنتظرك سيدتي لا أفكر هل أنا متهم؟ ..مجني عليه أم جان؟ ..وفي أروقة الدنيا تتردد أشجى أشجى ألحاني ..تبحث عن مستمع يصغي للحرف قبل اللفظ أو الأوزان..فيلبى نداء المستجير من الانتظار بالوصل ..وي لكأن الأذن مغلقة عن ندائي لتضيع في جنبات الكون على رحابته ..أناتى ..صرخاتي..احتجاجاتي ..وأظل والأمل يحدوني ..لعل الأثير يرق يوما فتسمعي لحنا همساتي..حين أنتظرك سيدتى ..تكف الأرض عن الدوران..وعقارب الساعة تتثاءب في قيلولة .. والقلب لا يكف عن الخفقان آه..آه.. الموج العاتي يجرفني ..ويلفني الطوفان..حين أنتظرك سيدتي..ها قد أتى الموعد ..ها قد أتى الموعد ..وأتيت ..ناداك رسول الهوى ولبيت.. وصرت الآن ربانا ..حين أتيت سيدتي.. (صوت تصفيق مفرد أنثوى بأطراف الأنامل )..هل أعجبتك حقا ..كم أنت رقيقة حين أبديت إعجابك بتصفيقك الرائع بأطراف أناملك ..(موسيقى تعبر عن مرور الأيام....( صوت رنة الجوال).. كيف الحال ..تستذكرين دروسك ..وتعملين لتساعدين نفسك ..الله الله..كم أنت رائعة ..اسمحى لى أن أتقدم بطلب يدك من والدك ..الدنيا لا تسعني ..اعتبريني جني مصباح علاء الدين ..شبيك لبيك حبيبك ..وعبدك بين يديك ..(زغرودة) ..لا هذا ليس بكثير على من يهواها قلبى ..على حبيبتى وروحى ودنياى ..هذا العقد الماسي..وهاهو مفتاح السيارة الجديدة ..مبارك عليكِ..يكفينى ابتسامتك ورضاكِ عنى ..قلت ليس بالكثير على حبيبة قلبي ..( ضحكة أنثوية بدلال ) كلى لكِ ودفتر شيكاتي وحسابى بالمصرف تحت تصرفك وأمركِ .. (صوت دوامة) ألو ما بك لقد تغيرتِ كثيرا ولا تردين على الهاتف ..وكثر تعللكِ بأنك كنت نائمة أو مشغولة ..وكم كان الجوال مغلقا ..أنت خطيبتي ..وما قصرت في حقكِ.. لماذا هذا الصدود عنى ..(صوت فحيح) ابنتك تغيرت كثيرا يا عمي..ألا تعلم لماذا تصد ابنتك خطيبتي عنى؟ ..أنا ما قصرت في حقها ..أليس كذلك يا عمتي ..تبا لا أجد إجابة من أحد ..(صوت رنة جوال)..طبعا سألقاك وأعرف منكِ سر تغيرها عنى ..فأنت صديقتها الحميمة .. أهلا بكِ..لماذا تتصرف معي صديقتك بتلك الطريقة ..أنا ما قصرت في شيء ( طرقة نحاسية) لا ..لا تفهمينى خطأ أنا ما خنتك ..تلك صديقتكِ الحميمة وأرت أن أعرف منها سر نفورك وتغير معاملتك غير المبرر لى .. اسأليها ..لا لم نخونك ..لا ..أنا لست بخائن ..لم تلقين بخاتم الخطوبة .. ( موسيقى فيها حيرة )..ماذا تقول يا صديقي.. تزوجت من غيرى ..بهذه السرعة ..وصديقتها التي قابلتني معها كانت حاضرة عرسها ..بل ورقصت لها ..آه ..فكم كنت مغفلا ..همت كالإبل وراء قلبي ..وخدعتني بمعسول الكلام ..بعد أن أصبحت خالي الجيب ..فكل ما معي أنفقته عليها ..آه. آه..( يقهقه في سخرية ) اسخر منى كما شئت لا أستطيع أن ألومك ..ألم تكابد الهوى يوما ..ولم تعانى الشوق والهجر ..لم تعش لحظات انتظار ... أيها الساخر منى أو لم تستجمع شتات نفسك تقاوم مشاعرك المتناقضة لتقول لمن تحب ..لمن ملكت قلبك أحبك ..ألم تعش لحظات غيبوبة العقل إثر تملك القلب زمام أمرك ..فعلا لك حق ..إذا المرء هان على نفسه كان على غيره أهونَ ..والآن بعد أن انقشعت الغشاوة عن عيني ..بل قل عن عقلي ..أقر وأعترف ..أنى كنت مغفلا ..تغاضيت عن أمور كثيرة دون تفنيد أو تعقل أو تدبر ..حين ألقيت عليها قصيدتي ..في بداية تعارفنا ما كان منها إلا أن صفقت بأطراف أناملها وارتضيت أنا هذا كان حبى لها وانبهارى يفوق قوة إدراك عقلى ..نعم لقد كنت مغفلا ..حتى السيارة التى زفت فيها وعريسها كانت السيارة التى أهديتها إياها ..آه ..اسخر ما شئت ليت من يعشقون يتركون ولو بعض من المساحة للعقل ..ولكن ..ههههههههه..الأخطاء التي وقعت فيها ..وقع فيها غيرى كثيرون ..وسيقع آخرون..هههههههههههههههههه..تلك ..تلك..طبيعة البشر يا من تسخر منى صراع العقل والعاطفة ..كم كنت مغفلا ..كم كنت مغفلا .
( يضحك ضحكا ينتهى بالبكاء.. ثم يخر جالسا القرفصاء واضعا يديه على رأسه في حسرة وأسي)
:البحار صفراء..الجبال صفراء ..الصحراء صفراء..الوجوه صفراء..الألوان صفراء..حتى الدماء بساحة
المعركة أصبحت صفراء.. هكذا جعلني الخنجر اللعين أعيش في دائرة كل فضاءاتها صفراء ..ماذا فعلت
ليحدث لى كل هذا ..هل لأننى تجاسرت بدافع من شغفي بموافقتك وإتباعك لارتياد المدن النائمة ..نعم هي تلك ( ويشير في اتجاه ما.. ودقات قلب سريعة ثم تهدأ رويدا رويدا ) نعم هي هناك.. هناك ..هناك وراء تلال الأحلام.. سراب يلفها...الزيف يمسخها يغتالها ..يبددها ..سحابات وهم ظللتنا ..ونحن نستحث المسير.. متلهفين.. نستقرئ النجوم ..خلف ظلل من الهموم ..ما المصير؟.. يئن.. يئن لفؤاد الكسير ..يتراخى نبضه.. وطرقه لأبواب الحياة ..في عالم ضبابي ..هناك ..هناك ..في المدن النائمة ..نلملم أفراحنا ..تتعمق أتراحنا..تغور جراحنا..تزداد عذاباتنا..حين أفقنا..وعلمنا أننا خدعنا طواعية ..وآه..آه..باللظى اكتوينا .. ..وكم تقنا أن يحل وثاقنا..لنجدنا مكبلين مكبلين..بأغلال عالم..يقهر فيه الحلم..وتتمزق فيه الأنفاس ..وتتلعثم الخطوات.. ويضيع الدرب ..وتفقد الكلمات كل المعاني في الوجدان ..هناك ..هناك ..خدعنا ..تهنا ..ضللنا ..أسرنا طواعية ..حيث التمسنا سبيلا.. خادعا ..مررنا به في غفلتنا ..ليلقى بنا في المدن النائمة ..فلنستيقظ شئنا أن أبينا..وحيثما تيسر المسير .. نسير .. تؤدة.. عدوا.. هرولة.. ولو كان في الإمكان نطير ..نكون أو لا نكون ..نعز ولا نهون ..مستجمعين شتات الأمل ..وشظايا الحلم ..ونرفو ما تبقى من الواقع المهترئ ..ألا نبقى ..وألا نشقى..ولنرحل مغادرين..آه..آه..كم خطونا ..وتاهت خطانا ..وكانت كل خطايانا أن ارتدنا المدن النائمة..

(يقوم ويسير كالتائه ..ثم يقف كالذي أستوقفه أحدهم )..إلى أين ..أتسألني إلى أين ..ههههههههههه.. لا أدري ..قدماي يسيران وكفي ..إلى أين؟ لا أدرى ..أين عقلي ؟..هههههههههههه ..صار في قدمي ..وأنا الهائم على وجهي ....من أنا ..ههههههههههه..من أنا لا يعرف ماذا يريد ..أنا تارة زجاج ..وتارة حديد..أنا فوران الغليان وسكون الجليد..أو ما تزال مصرا على استجوابي ..هويتي ..أو تسألني عن هويتي ..أحزاني سلبتني إياها ..أخذتها منى ولم ترجعها لي ..أتستمر في أسئلتك ..ما اسمي ؟..ما بلدي..لا تحاول يا هذا لقد نسيت كل شيء حتى اسمي..هههههههههههههههه..وداعا ..أيتها الأرض ..أيها الوطن..أيها الأهل ..أيها الأحبة ..اختلفت الرؤى ..وتشتت الأفكار ..فضاع كل شيء ..فما كان لي إلا الرحيل ..ماذا تنتظر منى وقد كان أملى ..تحقيق الطموحات ..وأحلام الحبيبة .. لقد قدمت من بلدي قاصدا الإقامة معها .. كي أعيش وأحس بالأمن والأمان ..أبحث عن حضن يؤويني ..وصدر حنون يحتويني .. وقبل وصولي صادفتني عواصف رعدية وأمطار غزيرة ..وصلت بعد جهد جهيد ليبدأ الأهل والأصدقاء الاحتفاء بي.. شعرت في قلوبهم غصة.. قالوا لي تأخرت فرحلت.. حين تصورت أن قدوم الفارس الملثم على صهوة جواده مستحيلا.. فأبعاد الحياة أكبر من الخيال وصبت جل غضبها على محيطها المتشدد فكلمة أحبك تقابلها قطع الوريد..( صوت أمواج هادرة ثم تسكن)منذ نعومة أظافري حلمت بقصر على شاطئ المحيط ..تحقق الحلم.. ومع بداية العتبة الأولى لعقدي الخامس ..هاجت الأمواج وتحركت الرمال فجرفت الحلم .. يقولون في الأسفار سبع فوائد..أخذت كل الفوائد في سفره واحدة تمثلت في حبيبتي ..وقد تملكت عواطفي وأفكاري .. بدلالها ..بجاذبيتها ..بأناقتها فأكثرت السفر لها وبعد توقيع العقد..اكتشفت بأن البضاعة غير صالحة.. فما كان لي إلا الرحيل ..انطلقت بمركب صغير.. مجاديفه لحظة أمل ..بغية أن توصلني إلى شاطئ الأحلام.. وفي نصف الطريق هاجت الأمواج ..والعواصف الرعدية ..ثم هطلت الأمطار ..وانعدمت الرؤيا .. فتكسرت المجاديف ..أنا على وشك الانفجار (فجأة يقفز فرحا..ويجرى إلى جانب المسرح ويعود ممسكا بلفافة ورق ) أخيرا لقد وجدت الورق.. نعم إنه ورق التنظيف ..(ورق التواليت ) يفك أوراقه ويخرج قلمه ..إذن لقد ٍآن الأوان لأبدأ الكتابة بروايتي الجديدة " عندما يموت سكرانا " ( موسيقى ثم ينهمك في الكتابة بخوف خشية أن يتمزق الورق تحت وطأة قلمه ..يكتب طويلا بحركة جنونية وبعد أن ينتهي يتثاءب..ثم يتجه إلى ذات الناحية التي أحضر منها لفافة ورق التواليت ويلقى بالورق ويسمع صوت الشطاف ثم يعود إلى ركن المسرح وهو يسير كالمخمور وينام في الزاوية البعيدة( إظلام ).

4a4782715fd8.jpg
دكتور كمال يونس دكتور كمال يونس يكتب : مونودراما ..عزف على أوتار قديمة عن المجموعة القصصية شيطان الحب