د.كمال يونس يكتب : اغتيال المؤلف و النص المسرحي ..وعروض مسرح اللاجمهور


المسرح ذلك الكائن الحي يتوق دائما للتجديد والتجريب والتطوير ، ولكن أخطأت معظم تلك التيارات المسرحية خاصة في حقبة ما بعد الحداثة حين جعلت من النص المسرحي وطريقة كتابته مادتها المفضلة للعبث والتجريف باسم التجريب الذي صارا ميدانا مستباحا ليس فقط من الخبراء الممارسين لفن المسرح بل من الهواة والمغامرين أيضا ، يتم كل هذا بمباركة من الموظفين القائمين على الحركة المسرحية لذلك الاتجاه ، ليتم تدريجيا اختطاف وقرصنة الفاعليات المسرحية وقصرها على نخبة البيروقراطيين المسرحيين ، وحاشيتهم ممن يظنون أنفسهم نخبة بل ونخبة النخبة ، وقد أولوا ظهرهم للجمهور في تعال ، لتتآكل كتلة المهتمين والمحبين للمسرح مع دخول وسائل التواصل الاجتماعي الضارية في المنافسة حتى أصبحنا نعيش زمن المسارح ذات المقاعد الخاوية ، في ظل إنتاج مسرحي محتكر من مافيا المصالح والسبوبة والذين يتعاملون مع المسرح بطريقة البنا والمناول ، وتتم أبشع مذبحة لكتاب المسرح بيد هؤلاء وورش الكتابة بأساطينها من الإفيهاتجية السخفاء التافهين، وولى زمن الكتاب حيث كانت قراءة نصوصهم ، وتحولها لعرو ض فيها متعة فكرية وفنية وترويحية ، وصولا لزمن المخرجين وقد ولى أيضا ، وصولا لمسرح النجم الذي يفرض سطوته على الكاتب فتفصل له العروض من قبل ترزية الكتابة ، وتطلق يده ليفعل بالعرض ما يشاء وغير مسموح لأي من أفراد الفرقة المصاحبة بالتجويد وإلا تعرض للطرد ، فلا أحد يضحك الجمهور أو يبكيه أو حتى يقف عند حواراته لتشجيه إلا للنجم .
وقد تجرأوا بكل رعونة لا على بث أفكار جديدة والتصدي للبالي منها بل على إعلان موت المؤلف وإقصائه تماما من المشهد وتموت بمجرد تسليمه النص للمخرج والجهة الإنتاجية، وصولا لسطوة النجم وموت المخرج حتى وصل الحال إلى هجر الجمهور للمسارح موت جمهور المسرح، كانوا ببذل محاولات لزيادة مشاركة الجمهور فعليا وذهنيا في العرض نجح منها وبقي المسرح الملحمي بكسر الإيهام، وهدم الحائط الرابع لبريشت محطة هامة في التجريب، وفشل فشلا كبيرا مسرح القسوة لأنطوان أرتو .
لقد توافرات مصطلحات تم ترديدها من ببغاوات المسرح ،النص الأدبي المغلق، المسرح التجريبي، مسرح القسوة ، مسرح اللامعقول ، مسرح العبث ، لم يجدوا للأسف من يكبح جماحهم لأن الحابل قد اختلط بالنابل ومعظم من يقودون تلك الهوجات الهذيانية كانوا على سدة المناصب المسرحية ، تربطهم وأقرانهم في الوطن العربي مصالح تتصالح وسبوبات عميقة ، ليفشلوا في إنتاج العروض الكبيرة ليجدوا ملجأ يتوارون فيه ألا وهو مسرحيات المونودراما حيث الفردية وكانتونات النخبة المتعالية ضحلة الثقافة والفكر ضبابية الرؤية ليستولوا على مقدرات المسرح وفعالياته ومهرجاناته، بمساعدة إعلام مسرحي فاسد مضلل مرتزق معتل الضمير بيدشنوا جسيتو للمسرح في كل قطر على حدة وجيتو كبير للمسرح العربي ، مع تبعيتهم الفجة للغرب وتياراته حتى أنهم يستدعون تجارب الغرب وشطحاته التي لفظها بعد ثبوت فشلها ليكررونها بكل بجاحة مثل مابعد الدراما ، مابعد النص ، هذيان وثرثرة جوفاء ألبسوها ثوبا أكاديميا منتحلا ليمرروها حتى وصلوا للمسرح لهذه المرحلة الظاهرة الفجة من الانهيار التام والاحتضار الزؤام.
كان الأولى بهم الاهتمام باستخدام أحدث التقنيات لخدمة فن تشكيل الصوة المسرحية ( السينوغرافيا)
النص المسرحي هو أساس العرض ، ومسرحته هي عملية تجسيده للجمهور بغية جذبه للعرض ،وتفاعله معه باستخدام باقي عناصر وجماليات العرض ( فن تشكيل الصورة المسرحية أو السينوغرافيا) لتعزيز تجسيد النص في صورة تستحوذ على اهتمام الجمهور ، بل على العكس تمام عروض فيها استخدام رائع لأحدث تقنيات الصوامت والنواطق والحركات مع نص تم إفساده والتعامل معه باستخفاف ، وهذا التناقض نفر الجمهور والنقاد الكبار ، حتى صاروا يمسرحون ويتمسرحون بينهم وبين أنفسهم في ظلال من تكريمات واهية ولجان مشاهدة واختيار عروض تافهة وجوائز فشنك ومهرجانات فنكوشية .
الصورة خير من ألف كلمة، لا أحد يختلف على هذا ولكنها اتخذت تكأة للإطاحة بالنص الحواري والاستعانة بفكرة نص تم اختزاله ومنتجته ( عمل مونتاج له)لتقديم عرض يعتمد على سيميائية أو رموز ودلالة الصور والإشارات والأداء الحركي في تعد صارخ على مؤلف فقد ظله ومجمل نصه وحواراته في العرض .
ظهر مصطلح المسرح البصري ومسرح الصورة ، وهو يشير إلى مسرح تجريبي يستعمل الحركة والإيماءة والأيقونات والإشارة والرمز، ويستعين بالرؤية البصرية، عوضاً من استعمال الكلمة واللغة والحوار كما في المسرح الكلاسيكي، لذا يكون النص في مسرح الصورة مجرد فكرة يبنى عليها نص العرض لتتفتت وتتضاءل وتتلاشى سلطة المؤلف ولغته وحواراته ،بعد استباحة النص قصا ولصقا ،لكأنه كان تمهيدا لعروض الرقص المسرحي الحديث والعرض الرقص المسرحي المعاصر ولكن بعضها لجأ للراوي في العرض لييسر فهم العرض من قبل الجمهور .
*الرقص الحديث
هو أسلوب يخلو من قيود الباليه الكلاسيكي ويركز على التفسيرات الحرة المستمدة من المشاعر الداخلية، الرقص الحديث هو أسلوب رقص يشير إلى الأساليب والتقنيات الراهنة في الرقص. يتميز الرقص الحديث بأنه غير تقليدي ومبتكر، ويقوم على الحركات والتعبيرات الجسدية المعاصرة. يعتبر الرقص الحديث وسيلة للتعبير الفني والتواصل، ويتطلب تدريبًا مكثفًا وقوة جسدية ومرونة وتنسيق.
*الرقص المعاصر
أسلوب أو طريقة للتعبير عن المشاعر يجمع بين عناصر وخطوات مختلفة من عدة أنواع في الرقص مثل الباليه الحديث والجاز والغنائي والكلاسيكي،بهدف ربط العقل والجسم من خلال حركات رقص سلسة ورشيق، ويتميز باستخدام التوازي في الساقين، والتقويس والالتواء وإمالة العمود الفقري، وكذلك الإيماءات التجريدية بالتركيز على العمل على الأرض والتنوع والارتجال ما يسمح لأجسادهم بالتعبير بحرية عن مشاعرهم.
والمسرح الصامت
المسرح الصامت هو معادل تماما للسينما الصامتة يعتمد على نص حكاية مكتوبة بلا حوار تذكر فيه المشاهد وتوصف بدقة ومخرج على دراية وكفاءة عالية يستطيع تفجير طاقات الممثلين كي ينقلوا الحوار الضمني المفترض إلى خشبة المسرح بالأداء المتقن في تناسق تمام مع عناصر السينوغرافيا من موسيقى مسرحية تصويرية معبرة دراميا مصاحبة للعرض، وإضاءة ، وأزياء ، وديكور ، كما صدقوا أفلام السينما الصامتة وشارلي شابلن .
ويستمر التعدي الصارخ على الكاتب المسرحي ومؤلفاته من الآخرين تحت مسمى إعداد أودراماتورج أو اقتباس دون ذكر اسم المؤلف الأصلي أكان عربيا أو أجنبيا مع الإغفال التام للمترجم .
وأخيرا سيبقى للنص المسرحي جلاله وأهميته فهو أساس العمل الدرامي وعلى أصحاب التهاويم المضللون العمل على ترقية استخدماتهم لعناصر العرض المسرحي في خدمة تجسيد النص وإبراز مضمون ورسالته لنحقيق المتعة الفنية والفكرية والترويحية للجمهور.